كلمة الأخ نورالدين الطبوبي في قصر المؤتمرات بمناسبة عيد الشغل العالمي
كلمة الأخ نورالدين الطبوبي
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل
في موكب الاحتفال باليوم العالمي للشغل
قصر المؤتمرات-غرّة ماي2017
السيد رئيس الجمهورية،
السيد رئيس مجلس نواب الشعب،
السيد رئيس الحكومة،
السيدةرئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية،
السيد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري،
السيدات والسادةأعضاء مجلس نواب الشعب،
السادة أعضاء الحكومة،
السيدات والسادة رؤساء الأحزاب والهيئات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،
حضرات السيدات والسادة ممثلي السلك الديبلوماسي،
الأخوات والإخوة أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل،
باسمي الخاص، ونيابة عن إخوتي في المكتب التنفيذي الوطني، وكافة مناضلات ومناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل، يسعدنا ويشرّفنا المشاركة في هذا الحضور الكريم بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل العالمي،الذي دأب الشغالون على إحيائه كلّ سنة، إكراما ووفاءً لنضالات وتضحيات عاملات وعمّال شيكاغو بأمريكاولتضحياتهم الجسيمة، ولكن أيضا لكلّ من سطّروا بدمائهم طريق الانعتاق من القهروالاستغلالومن ابتزاز قوّة العمل، وفتحوا الأبواب واسعة لمراكمة المكاسب والحقوق لفائدة الطبقة العاملة ومنهم شهداء تونس عبر تاريخها النضالي الطويل، وآخرهم شهداء الوطن الذين سقطوا بغدر الإرهاب سواء من السياسيين أو من المؤسستين العسكرية والأمنية.
السيدات والسادة،
يعود علينا عيد الشغل العالمي هذه السنة، ولم يمض على مؤتمرنا الوطني الأخير سوى أشهر قليلة استطعنا خلالها إنهاء المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص، كما أنهينا المفاوضات في قطاعي البنوك والتأمين بالنسبة لسنتي 2016 و2017 ونتطلّع إلى إنهائها قريبا في قطاع السياحة وإلى استكمال مراجعة القانون العام للوظيفة العمومية والقانون العام للمنشئات والدواوين. كما توصّلنا إلى تحقيق زيادة في الأجر الأدنى المضمون بنسبة 5.65% بما يساعد ذوي الدخل المحدود ومنهم آلاف المتقاعدين على تدارك ما لحق مقدرتهم الشرائية من ضرر، هذا علاوة على تسوية الوضعية المهنية لآلاف الأئمّة والقائمين على المساجد، تقديرا لدروهم الفعّال في مكافحة الإرهاب وفي نشر قيم التسامح والتحابب بين أفراد المجتمع التونسي كما توصّلنا إلىفضّ العديد من النزاعات الناجمة عن عدم الالتزام بالاتفاقيات المبرمة ومنها على وجه الخصوص تسوية الإشكاليات العالقة في بعض قطاعات التعليم والمالية والصحّة وغيرها ونأمل في إنهاء بعضها الآخر في القريب العاجل.
السيدات والسادة،
إن ما تشهده البلاد من تحركات احتجاجية حاشدة ومن عضب متزايد بات يهدد بتصعيد خطير ينذر بإرباك دواليب الدولة وأداء المؤسسة الاقتصادية، وبتراجع لقيمة العمل وإنتاجيته، إنما هي مؤشرات تحيل إلى عجز في تلبية الوعود المعلنة بالتنمية والتشغيل والرخاء، على امتداد السنوات الستّ المنقضية، وفي إحلال الثقة بين الدّولة والمجتمع، وفي محاربة الفساد واستعادة سلطان القانون. كما نُشير إلى أنه آن الأوان للاستماع إلى نبض الشارع قبل فوات الأوان وإلى المزيد من الوضوح في إدارة الشأن العام.
نحتاج إلى وعي عميق بطيعة الأزمة وإدراك واسع بتشابكها وترابطها فالاقتصادي مؤثر في الاجتماعي، والسياسي مؤثر فيهما معا، وقد حرصنا منذ السنوات الماضية إلى التنبيه إلى هذه الجدية حتى نعمل على تحقيق الاستقرار على جميع الأصعدة، وكنا في ذلك قوّة اقتراح فقدّمنا البرامج والتصورات ومازلنانأمل أن يتمّ اعتمادها أو حتى النظر فيها لعلّها تسهم في انقاذ البلاد ممّا تردّت فيه.
نحتاج اليوم إلى التفكير العميق وإلى العمل الجدي المشترك من أجل تونس ومن أجل شعبها ومن أجل مستقبلها.
هناك العديد من المطالب والانتظارات يمكن أن تتحقّق في المدى العاجل والقريب وهناك العديد من المشاكل يمكن حلّها تدريجيّا وعلى المدى المتوسّط والطويل. لكن جميعنا نحتاج إلى المصارحة والتحلي بالصدق والنزاهة والالتزام بمكاشفة الشعب بحقيقة ما حدث وما يحدث.
نحن في حاجة إلى حوار مباشر مع مواطنينا في الجهات دون تردّد، وإلى تفهّم تحركات المحتجين منهم وغضبهم المكبوتلعقود من الحرمان والحيف والاستبداد، دون اللجوء إلى شيطنتهم وتجريمهم.
نحن في حاجة إلى الاصغاء إلى انتقادات ومآخذ التونسيات والتونسيين برحابة صدر كما إلى آرائهم ومقترحاتهم، فقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.
لكن علينا جميعا أن نكون واضحين في تطبيق القانون دون تردّد أو خذلان مع كلّ من ثبت تورطه في توظيف ما جرى وما يجري من تحركات لبثّ الفوضى لأجل تمرير أجنداته التخريبية أو الإرهابية.
السيدات والسادة،
على الرغم من اقتناعنا الراسخ بنبل مقاصد المبادرات المتتالية لإحلال المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب التونسي وبالنظر إلى التوترات الاجتماعية والتجاذبات التي تشهدها البلاد حاليّا، فإنّنا نعتقد أنّه بات من الأصلح التريّث في البتّ بشأن هذا الموضوع المثير للجدل والدعوة إلى حوار مجتمعي يجعل من العدالة الانتقالية الغاية والوسيلة لتحقيق المصالحة الوطنية ويكون مطابقا لأحكام الدستور ولأهداف ثورتنا في إقرار العدالة ومحاربة الفساد وتفكيك منظوماتها وإرساء مقومات الحوكمة الرشيدة.
السيدات والسادة،
إنّنا واعون شديد الوعي بصعوبة الأوضاع وبالمخاطر الكبيرة المحدّقة ببلادنا وبالصعوبات التي تُكبّل اقتصادنا، ولقد عبّرنا دائما عن استعدادنا التامّ لحثّ عمّالنا على بذل كلّ ما في وسعهم لتطوير إنتاجية عملهم والتحلّي بثقافة المؤسّسة ولمزيد التضحية وتقاسم الأعباء، لكنّنا كنّا دائما نؤكّد بأن لا يُحمّل الأجراء وضعاف الحال وحدهم هذا الواجب وأنّ على الجميع المشاركة في تحمّل تقاسمالتضحيات والمشاركة في أداء الواجب وتحمّل جملة هذه الصعوبات.
وأودّ في هذه المناسبة التي تجمعنا، والتي اعتمدناها في تونس كموعد للتعبير عن تقديرنا لقيمة العمل وتثمينه وتجديد الاعتراف بدوره في خلق الثروات وتحقيق الكرامة والرّفاه للإنسان، من خلال تسليم جائزة العامل المثالي في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص، وتسليم جائزة الرقيّ الاجتماعي للمؤسّسات، وجائزة الصحة والسّلامة المهنية في القطاعات الثلاثة، أودّ أن أعبّر عن تجديد طلبنا بمأسسة هذه السُنَّة الحميدة وإدراجها رسميّا في منظومة الحوكمة الرشيدة بما يضفي عليها المزيد من الشفافية والمصداقية، وبما يُساعد على تحفيز أطراف الإنتاج لمزيد البذل والعطاء والابتكار.
إنّ تجسيد هذه الإرادة لن تكتمل ولن يُكتب لها الدوام إلاّ بمصادقة مجلس نوّاب الشعب على مشروع قانون إحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي ليكون خطوة نحو مأسسة هذا الحوار خاصّة ونحن على أبواب الدخول في مفاوضات بشأن مراجعة قوانين الشغل في اتّجاه ملاءمتها مع أحكام الدستور الجديد ومقتضيات معايير العمل الدولية المصادق عليها من قبل بلادنا.
إنّ الواجب يدعونا اليوم حكومة وأحزابا ومنظمات وجمعيات ومواطنين إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد ونبذ التجاذبات التي لا تقود إلاّ إلى الفتنة والتصادم وإلى الانفلات الأمني، وتعيق التقدّم في استكمال الإصلاحات التي نادى بها شعبنا، وفي تحقيق أهداف ثورتنا التي ضحّى من أجلها شبابنا ومواطنينا في الجهات والأحياء.
السيدات والسادة،
إنّ ما يجري في الشقيقتين ليبيا وسوريا يُحْزِنُنَا ويَشْغَلُنَا خاصة ونحن نُعاين التدخلات والانتهاكات السافرة التي تستهدف حُرْمَتَيْهِمَا الترابية وأمن واستقرار شعبيهما، ونتابع بكلّ أسَى ما يجري من تَنَاحُر وتَقَاتُل بين أبناء الشعب الواحد على حساب استحقاقات شعبيهما في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية يجعلنا نُجدد دعوتنا إلى الفرقاء من غير الإرهابيين في هذين البلدين الشقيقين من أجل التحلي بالحكمة وتوخّي نهج الحوار سبيلا لفضّ النزاعات واحلال التوافق والترفع عن الانسياق وراء الأجندات الدخيلة التي تحركها أطماع باتت ثابتة للاستحواذ على ثروات المنطقة ومقدراتها.
وإنّنا نجدّد، بهذه المناسبة التزامنا الدائم بدعم شعبنا في فلسطين من أجل دحر الاحتلال وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولا يفوتنا أن نُحيّي أسرانا في سجون الكيان الصهيوني الذين يخوضون إضراب البطون الخاوية من أجل الحرية والكرامة.
المجد والخلود للشهداء
العزّة لتونس ولشعبها.
والسّـــــــلام.