كلمة الأخ نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة إحياء الذكرى الثالثة والخمسين للجلاء الزراعي
تونس، 12 ماي 1964 – 12 ماي 2017
السيد رئيس الجمهورية
السيد رئيس مجلس نواب الشعب
السيد رئيس الحكومة
السيد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري
السيدة رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية
السادة أعضاء الحكومة، السيدات والسادة رؤساء الأحزاب والهيئات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني
السيدات والسادة الحضور، إنّه لشرف عظيم لي ولإخوتي في المكتب التنفيذي الوطني بالاتحاد العام التونسي للشغل أن نكون بينكم لإحياء الذكرى الثالثة والخمسين لعيد الجلاء الزراعي، وهي ذكرى عزيزة على جميع أفراد الشعب التونسي، لما ترمز إليه من معاني السيادة والتحرّر الوطني.
إنّها ذكرى تعيد إلى أذهاننا العديد من الملاحم البطولية الخالدة التي خاضها الشغالون إلى جانب صغار الفلاحين وصغار التجار والمهنيين ضدّ غطرسة الاستعمار الفرنسي الذي استباح، منذ انتصابه، أراضينا الزراعية وثرواتنا المنجمية وسواحلنا البحرية، وأوغل في استغلال العملة الفلاحيين وفي ابتزاز أهالي الأرياف التونسية.
من نتائج تلك النضالات الملحمية آنذاك أنها عمّقت الوعي لدى هذه الفئات بوحدة المصير وبأهمية التنظّم والتكاتف لتفرز في نهاية النصف الأوّل من القرن الماضي، وفي نفس الفترة تقريبا، تأسيس أولى التعبيرات التنظيمية الجماهيرية: الاتحاد العام التونسي للشغل والاتّحاد التونسي للفلاحين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ليكوّن ثلاثتهم جبهة قوية ضدّ الاستعمار وسندا هاما لحركة التحرّر الوطني.
السيد رئيس الجمهورية، السيدات والسادة الحضور، إنّ مثابرتنا على هذه الذكرى وغيرها من الأحداث الخالدة في تاريخ تونس المعاصر، كتلك التي خاضها ببسالة عمّال ضيعة النفيضة سنة 1950 ضدّ المستعمر وذهب ضحيّتها خمسة من العملة من بينهم امرأة حامل، ليس فقط من قبيل الوفاء والتكريم للشهداء والروّاد، وإنّما أيضا لاستخلاص العبر واستلهام الدروس ومساءلة الماضي لاستشراف المستقبل. فاحتفالنا بذكرى استصدار قانون 12 ماي 1964 المتعلّق بتأميم الأراضي الزراعية التي سلبها المعمّرون الأجانب، إنّما يحيلنا بالضرورة إلى مساءلة السياسات والبرامج التي استهدفت القطاع الفلاحي والعاملين به من فلاحين، وعملة فلاحيين كمدخل لفهم الإشكاليات وإدراك الرهانات ولبلورة الرؤى الكفيلة بقيادة الإصلاحات الضرورية.
إنّ تراكم الصعوبات الهيكلية للقطاع الفلاحي وتهميش دوره في تحقيق التوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي وفي توفير مقوّمات السيادة الوطنية بفضل ضمان الأمن الغذائي، إنّما يعود بالأساس إلى عقم المنوال التنموي القائم والذي دعونا ولا زلنا ندعو إلى مراجعته بما يتوافق مع استحقاقات ثورتنا الحقيقية ومع مقتضيات دستورنا الجديد، ولكن يعود أيضا إلى التهاون في ردع الدخلاء على القطاع من مضاربين ومهرّبين ووسطاء أعماهم الجشع فراحوا يمعنون في إنهاك المقدرة الشرائية للمواطنين وفي ابتزاز جهد الفلاحين.
إنّ إعادة الاعتبار لقطاع الفلاحة والصيد البحري كشرط لضمان الأمن الغذائي أصبح شّأنا وطنيّا ومهمّة جماعية تتطلّب استنفار كلّ الطاقات والإمكانيّات. ونحن على يقين أنّ كسب هذا الرهان أمر ممكن إذا ما توفّرت الإرادة وصحّ العزم وصدقت النوايا. السيدات والسادة الحضور، إنّنا نعيد ونؤكّد أنّ المنوال التنموي الحالي لم يعد قادرا على جلب الاستثمار الخاص ولا على توفير العمل اللائق وذلك نظرا لضعف البنية التحتية وتفكّك النسيج الاقتصادي والافتقار إلى سياسة صناعية متكاملة تراعي إمكانيّات وطاقات مختلف الجهات والقطاعات.
ونظرا أيضا لتعمّد إهمال تأهيل القطاع الفلاحي والتردّد في استكشاف وتطوير بعض القطاعات الواعدة الأخرى كالاقتصاد الأخضر والاقتصاد التضامني والاجتماعي. لقد أصبح من المتأكّد اليوم وضع سياسات قطاعية في المجالات والمهن النظيفة الصديقة للبيئة والسياحة البيئية والثقافية مع منحها التحفيزات اللازمة وتعهّدها بالإسناد في مجال التكوين والإرشاد والتأطير والتسويق.
وفق هذا المنظور أصبح موضوع التنمية الجهوية من المواضيع الحارقة التي لا تتحمل الانتظار. كما أصبح من واجب الحكومة والأطراف المعنية استنباط أطر وخطط إطارية متكاملة ذات مقومات مالية وبشرية كافية وآليات تجسيم ناجعة وهياكل تسيير ومتابعة مختلفة عما هو سائد الآن. إنّ العمل على تطوير البنية الأساسية وخاصة ما يتعلق منها بمدّ جسور التواصل والتمفصل بين جهات الداخل والجهات الساحلية وكذلك العمل على تعصير البنية التحتية لقطاع الفلاحة من مسالك وسدود وبحيرات تشكل جميعها مجالات هامة للتدخل من أجل إكساب الجهات الداخلية ميزات تفاضلية من شأنها أن تساعد على شدّ أبنائها إليها وعلى تحسين ظروف الاستغلال وعلى استمالة المستثمرين في إطار شراكة بين العمومي والخاص. السيدات والسادة الحضور،
إنّنا متفائلون في الاتحاد العام التونسي للشغل بما توصّلنا إليه مع شريكنا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري من انجاز عظيم نحن متأكّدون من أنّه سيفتح آفاقا رحبة للعمل النقابي في بلادنا بتمكين آلاف العاملات والعاملين بالقطاع الفلاحي من حقّ التنظّم وحقّ التفاوض، وذلك بموجب الاتفاقية الإطارية المشتركة التي أمضيناها منذ سنتين بمناسبة العيد الوطني للمرأة الريفية، وهي اتفاقية تؤسّس لعلاقات شغليّة منصفة وعادلة ولائقة، للعاملين في القطاع الزراعي.
إنّنا على يقين من انّ الحوار الوطني كما الحوار الاجتماعي سوف يساهم في تقديم الإجابات حول العديد من النقاط العالقة والتي لا تزال تكبّل القطاع والعاملين فيه كالمشاكل العقارية والتأمينات الضرورية لمواجهة الجوائح الطبيعية وارتفاع الكلفة الإنتاجية وتضخّم الديون وضحالة الاعتمادات المخصّصة لدعم جهاز الإنتاج والتحكّم في مسالك التوزيع. كما سوف يساهم الحوار الوطني والاجتماعي في النهوض بأوضاع العاملين في هذا القطاع والحدّ من معاناتهم اليومية بحكم غياب الحماية ضدّ مخاطر الصحة والسلامة المهنية وانسداد آفاق المسارات المهنية الذي يولّد الإحباط والعزوف.
كما أنّنا على يقين من أنّ تطوير الأنشطة الواعدة في هذا القطاع كالزراعات الطبية والعطرية والإنتاج الحيواني والمنتوج الغابي والحرص على تحويلها وتصنيعها سوف يوفّر قيمة مضافة عالية لقطاع الفلاحة والصيد البحري، كما سوف يدعّم الطاقة التشغيلية صلب هذا القطاع ويعود بالفائدة على العاملين فيه وعلى الاقتصاد الوطني عموما. لنجعل من هذه الذكرى حافزا من أجل حوار شامل ومفتوح يقودنا إلى كسب رهان الإقلاع الفلاحي وتأمين الأمن الغذائي. شكرا على حسن الاستماع، والسلام