أخبار الرئيسيةالاعلام والاتصال والنشربيانات وبلاغات

كلمة الأخ نـورالديـن الطبـوبـي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في الذّكرى السابعة لثورة 17 ديسمبر 2010 سيدي بوزيد، في 17 ديسمبر 2017

الأخوات والإخوة، مناضلات ومناضلو الاتحاد،
بنات وأبناء بوزيد الأحرار،
فرسان الثورة والحرية،

شكرا لكم على وفائكم الدائم وعلى حضوركم في الموعد لإحياء الذكرى السابعة لثورة 17 ديسمبر 2010.
ها نحن نلتقي من جديد في هذه المدينة الرمز.. مدينة سيدي بوزيد الثائرة.. مدينة الشهيد محمّد البوعزيزي مفجّر الشرارة الأولى لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والذي يبقى رمز الثورة وشعلتها رغم كلّ المحاولات لطمس صورته في مسعى لتشويه الثورة وللتقليل من نضالات الجهة التي كان لها الفضل الأكبر في كسر شوكة الجبروت وتسلّط الدكتاتورية.
نلتقي اليوم.. لنقف في خشوع واجلال أوفياء.. أوفياء لدما الشهداء.. ولنترحّم على أرواحهم الطاهرة..
نلتقي اليوم لنستحضر تلك اللحظة التاريخية التي أشعل فيها محمّد البوعزيزي النار في جسده انتصارا لكرامته وتعبيرا عن رفضه لواقع القهر والاستبداد..
نلتقي لنستحضر بكامل الفخر والاعتزاز الاسهامات الجليلة والأدوار المتقدّمة والمشرّفة للإطارات النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل بالجهة وبكامل جهات البلاد من أجل تحصين وتأطير وإسناد القوى المنتفضة على منظومة الاستبداد والفساد ولنستحضر على وجه الخصوص اسهامات المناضليْن النقابييْن والحقوقييْن الراحليْن “علي الزارعي” و”يوسف الصالحي” تغمّدهما الله برحمته الواسعة.
نلتقي اليوم لنستلهم من سخاء عطاء شهدائنا وجرحانا جميعا ومن شجاعة وثبات مواقفهم، لنستلهم القوّة والإرادة لاستكمال الاستحقاقات التي انتفضوا وضحّوا من أجلها.
الأخـوات والإخـوة،
حراير وأحرار سيدي بوزيد المناضلة،
تعود علينا هذه الذكرى، والبلاد ما تزال مشدودة إلى إرهاصات الماضي البغيضة.. وما تزال مشاعر اليأس والإحباط والغضب تعصف بشعبنا وتغذّي لدى شبابنا شتّى مظاهر العنف والإدمان وتدفع بالكثير منهم لركوب قوارب الموت بحثا عن حلم مفقود.
كيف لا وقد مرّت سبع سنوات من عمر الثورة ونحن نُساس وفق نفس المنوال التنموي المكرّس للحيف والتفاوت الجهوي والمغيّب للحماية والسالب للكرامة والمهين للذات البشرية.
كيف لا وقد مرّت سبع سنوات من عمر الثورة والحالة هي الحالة.. مزيدا من التفاوت بين الجهات وفيما بين الجهة الواحدة.. مزيدا من الفقر والغبن.. مزيدا من البطالة والتهميش والإقصاء.. مزيدا من تحكّم أباطرة التهريب والاقتصاد الموازي في مسالك التوزيع إلى حدّ ارتهان معيشة المواطن واستباحة هيبة الدولة وسلطان القانون.. زد على ذلك تفشّي ظاهرة السرقة المنظّمة والنهب الممنهج الذي يعاني منه سكّان هذه الجهة وخاصّة فلاّحيها والذين أصبحت مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية تفتكّ منهم في وضح النّهار في غياب تامّ للأمن.
كيف لا وقد مرّت سبع سنوات من عمر الثورة والتجاذبات هي التجاذبات تحكمها مصالح وأطماع فئوية ضيّقة وكثيرا ما يغذّيها المال الفاسد وتحكمها أجندات مالية وجيوسياسية دولية لا همّ لها إلاّ مصادرة قرارنا والاستحواذ على ثرواتنا وارتهان سيادتنا.
الأخـوات والأخـوة
نشطاء الحريّة والديمقراطية،
تعود علينا الذكرى السابعة لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وما تزال جهة سيدي بوزيد.. على حالها شأنها شأن الجهات الداخلية متعطّشة للتنمية والعيش الكريم.. تبحث عن خيط أمل يعيد لها اعتبارها كجهة أعطت الكثير من أبنائها فداءً للوطن، ووفّرت وتوفّر الخيرات للبلاد أكثر من النصيب الذي يعود إليها.
يكفي لتبيّن حالة الاحتقان واليأس، ومدى خيبة الأمل التي أصبح عليها أهالي سيدي بوزيد وخاصّة الشباب منهم من حاملي الشهادات العليا، الإشارة إلى اعتصامات “الحراك النسائي” بمنزل بوزيّان، واعتصام “الحسم” بالرقاب، واعتصامات “ضاع العمر” بسيدي علي بن عون واعتصامات “المصير” و”هرمنا” بالمكناسي، إشارة على سبيل المثال لا الحصر.. كلّها عناوين مشحونة بنفاذ الصبر وبمشاعر الغبن والاحتقان.
لقد ملّ أهالي سيدي بوزيد وشبابها كما ملّ أهالي وشباب الجهات الداخلية الأخرى في الجنوب الغربي والشمال الغربي والوسط الغربي من طول الانتظار.
لقد سئم أهالي وشباب هذه المناطق الوعود الزائفة ويئسوا من السياسيين والمسؤولين الحكوميين الذين أقعدهم العجز على إقامة حوار بنّاء مباشر مع من يهمّهم الأمر من شباب معطّل عن العمل ومن فلاّحين مفقّرين ومن متساكنين أعوزتهم الحاجة إلى بنية تحتية ومسالك طرقات تفكّ عزلتهم وإلى مرافق صحّية تقيهم عذاب التنقّل إلى المدن الساحلية للعلاج والتداوي وإلى مشاريع استثمارية تجنّبهم تحويل منتوجاتهم وتثمينها على عين المكان وتمنح الجهة هويّتها وخصوصيّة نشاطها، حوار من أجل البحث المشترك عن حلول تخرجهم من دائرة الفقر والتهميش وتعيد لهم اعتبارهم كمواطنين وتعيد لهم كرامتهم المسلوبة وتوفّر لهم مقوّمات العيش الكريم والعمل اللائق.
سياسيون حزبيّون ومسؤولون حكوميون توافدوا باستمرار على امتداد السنوات السبع الأخيرة على الجهة.. قدموا الوعود تلو الوعود.. بشّروا بالاستثمارات السخيّة. فتحوا لأهالي الجهة أبواب الجنّة ولشبابها فسحة من الأمل في المستقبل ثمّ عادوا إلى مواقعهم ليواصلوا مهاتراتهم وضرب أخماسهم في أسداسهم دون مساءلة النفس بشأن أخلاقيات الوظيفة والسياسة التي يتحمّلون وزرها.
سبع سنوات مرّت.. ولا من مجيب.. جميع النخب السياسية والحزبية التي مرّت من هنا أخلّت بوعودها.. جميعهم دون استثناء تخلّفوا حتّى اليوم عن الإعلان عن انطلاق ولو مشروع واحد يعيد الثقة في الخطاب السياسي الذي غاب عن الجهة منذ فجر الاستقلال.
بعد كلّ هذا يتساءل البعض عن سبب كلّ هذه الاعتصامات في جهة سيدي بوزيد وغيرها من الجهات الداخليّة؟
لقد تناسوا المثل الذي يقول بأنّ “وعد الحرّ دين” من السياسيين والمسؤولين الحكوميين ولأنّ من وعدوا فقدوا معنى الحرية وأفسد حبّ المناصب والكراسي أخلاقهم السياسية، فَفَقَدُوا ثقة أهالي سيدي بوزيد والجهات الشبيهة بل جلّ الشعب التونسي.
لذلك اختار متساكنوها طريق الاعتصام والنضال وهو حقّ مشروع مكفول بالدستور ويشرّعه واجب حماية أهداف الثورة.
الأمل كلّ الأمل أن تفضي زيارة عديد الوزراء الذين زاروا الجهة منذ يومين بهذه المناسبة – وقد كان من الأفضل لو حصل قبل ذلك – إلى نتائج ترتقي إلى انتظارات هذه الجهة بما يعيد لها الثقة في دولة ما بعد الثورة، وأن تُعلن عن مشاريع حقيقية ودامجة كفيلة بتمكين ولاية سيدي بوزيد بمعتمديّاتها وعماداتها من تطوير مقوّمات نهضتها.
ذلك هو الأمر أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، بالنسبة للمناطق الواقعة على سفوح جبل المغيلة أحد المعاقل الرئيسية للإرهابيين ومنها عين جفّال والسلاطنية وسلتة التي لم تنل إلى اليوم ما يكفي من الإحاطة والرعاية لتأمين سلامة متساكنيها وتحسين ظروف عيشهم وإقامتهم.
الأخـوات والإخـوة،
نشطاء الحرية والديمقراطية،
إنّنا وبقدر تقديرنا لصعوبة المعركة التّي تنتظرنا فإنّنا على ثقة فائقة بجدارتنا للفوز فيها لأنّنا ما نزال على عهد حشّاد نؤمن بأنّ لا معنى لأيّ قرار ولأيّ فعل سياسي ولا لأيّ نشاط اقتصادي ما لم يكن موجّها لتحقيق حريّة وكرامة ورخاء الإنسان.
لقد عاهدنا شعبنا أن نبقى أوفياء لأهداف ثورتنا نحميها ونمشي جنبا إلى جنب مع من يحميها.
لن تردّنا الأصوات الناعقة ولن تثنينا عن الاهتمام بالشأن السياسي ولن ترهبنا التهديدات ولا التحرشات المحمومة التي تسعى لإعادتنا إلى مربّع المطالب المهنيّة.. فكلّ قرار سياسي، يعنينا كقوى عاملة وكمواطنين.
سنقاوم كلّ محاولات الالتفاف على استحقاقات جهاتنا الداخلية المحرومة والمهمّشة لتستعيد حقّها في التنمية وقدراتها على شدّ أبنائها إليها.
سنواصل نضالنا وضغطنا على الحكومة كي تضع البلاد من جديد وفي أقرب وقت على درب التطوّر والنموّ بما يعيد روح المبادرة إلى أصحاب المؤسّسات الاقتصادية كي تخرج من التصرّف اليومي والارتجالي في المسائل المطروحة وكي تحدّد لنفسها رؤية شاملة وبعيدة المدى عبر مشاريع كبرى تجدّد ملامح تونس الغد. وفي إطار هذه الرؤية أصبح من العاجل والتأكّد مباشرة مهمّة إصلاح منظومة التربية والتكوين وتطوير النقل العمومي وإصلاح منظومة الصحة العمومية وسوف نكون إلى جانب كلّ من يعمل على تعهّد هذه المرافق العمومية بالإصلاح والتأهيل.
سنواصل الدفاع عن الدستور وعن واجب احترامه والتقيّد بمقتضياته، وعلى النمط المجتمعي التونسي والحريّات العامة والفردية وحقوق الإنسان.
وسنتصدى لكل محاولات الالتفاف على أحكام الدستور من أيّ كان وتحت أيّ عنوان كان.
سنجدّد تأكيدنا على إجراء الانتخابات البلدية في أقرب الآجال انتصارا للديمقراطية ووفاءا لشهداء ثورة الحرية والكرامة الاجتماعية.
سنواصل دعمنا ومساندتنا لكلّ المساعي الصادقة التي تعمل على مقاومة الفساد وسنقف أمام كلّ محاولات توظيف هذه المساعي لغايات انتقامية أو لتحويلها إلى مجرّد تصفيات حسابات مع الخصوم.. وسنناضل من أجل ارجاع الأخلاق إل جوهر العمل السياسي والإعلامي والقضائي والنيابي والمجتمعي.. نحن نريدها حربا شاملة على الفساد والفاسدين وسياسة ثابتة حتّى يستعيد القانون سلطانه وتسترجع قيم المساواة والإنصاف والعدل معانيها الحقيقية.
لن نسكت ولن نهدأ إلاّ بعد كشف الحقيقة عن الجرائم التي استهدفت الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي والعسكريين والأمنيين والمدنيين وعن ملفّ ضحايا الرشّ بسليانة وعن ملفّ تسفير شبابنا إلى محارق الموت في سوريا والعراق وليبيا..
سنواصل دعمنا للجهود التي تُبذل لمقاومة الإرهاب وأباطرة التهريب التي ما انفكّت تبثّ الفوضى وتتحكّم في مسالك التوزيع وترتهن قُوتَ المواطنين.. وسنقف إلى جانب جيشنا ورجال أمننا البواسل حتّى استئصال هذين الورمين الخبيثين من جسم وطننا لكنّنا ننبّه في ذات الوقت أنّ الإرهاب ما يزال يتربّصنا ويرتهن كلّ مسعى نحو الانتقال الديمقراطي والاقلاع الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. الإرهاب الذي يجد في المناطق المفقّرة والمهمّشة حاضنة مفضّلة له وملاذا يحتمي به ويتغذّى منه. الإرهاب الذي ما يزال رغم النجاحات التي سجّلتها قوّاتنا الأمنية وجيشنا الوطني يتغذّى من ضعف الدولة وتخلّفها عن العناية بتلك المناطق وتعهّدها بكلّ ما يلزم من الرعاية والإحاطة المادية والمعنوية اللازمة.
إنّها مسؤولية الدولة، فإمّا التدخّل الجدّي والسريع للإحاطة الأمنية والمادية بأهالي هذه المناطق وإنقاذهم من حافة الفقر وضيق الحاجة. وإمّا تركهم لقمة صائغة لعصابات الإرهاب والتهريب تساومهم يوميّا على أمنهم وعلى حياتهم وتخضعهم إلى شتّى أنواع الرعب والابتزاز.
الأخـوات والإخـوة
تعود علينا هذه الذكرى ومنطقتنا العربية تعيش منذ أيّام على وقع قرار الرئيس الأمريكي سيّء الذكر دونالد ترامب، بنقل سفارة الولايات المتحدّة الأمريكية إلى القدس في انتهاك صارخ للقانون الدولي وفي تحدٍّ أرعن للمجموعة الدولية التي أجمعت على إدانته وعدم الاعتراف به.
إنّنا نحيّي ونثمّن الوقفة الرائعة والمسيرات الحاشدة التي شهدتها مختلف المدن التونسية للتعبير عن رفض الشعب التونسي لهذا القرار الجائر، قرار ما كان ليجرأ عليه ترامب لولا الوهن العربي وتوغّل الأجندات الاستعمارية اللذان زادا من غطرسة الكيان الصهيوني المحتلّ وشجّعا على التطاول على حقّ الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
لقد مثّل هذا القرار المتغطرس الأحادي الجانب صدمة لضمير البشريّة جمعاء وتقبّله العالم كإعلان حرب وتحريض صريح على التناحر والدمار وضربا لمسار السلام لذلك فإنّنا ندعو الحكومة التونسية العمل على مقاطعته كليّا وندعو المجتمع الدولي والقوى الديمقراطية وأحرار العالم ونقابييه إلى منع تنفيذه على أرض الواقع والوقوف في وجه غطرسة وعنصريّة الكيان الصهيوني وراعيته وداعمته الإمبريالية الأمريكية.
عهد علينا أن نبقى أوفياء لمبادئنا في دعم شعبنا في فلسطين بكلّ الوسائل التي نملكها وعهدا علينا أن نظلّ صوتا مدوّيا داخل المحافل الدولية من أجل استقلال فلسطين وحقّ شعبها في تقرير مصيره بنفسه وتكوين دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

عاش الاتحاد العام التونسي للشغل حرّا مستقلا ديمقراطيا مناضلا.
والعزّة لتونس والمجد للشهداء.

قسم الاعلام والنشر-Journal Echaab

الفريق الاعلامي للاتحاد العام التونسي للشغل https://www.ugtt.org.tn

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى