
كلمة الأخ نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في الملتقى الوطني حول “الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة
كلمة الأخ نورالدين الطبوبي
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل
في الملتقى الوطني حول
“الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ضمان للتنمية الاقتصادية”
تونس، في 12 أفريل 2018
السيّد رئيس الحكومة،
السيّد وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة،
السيّد رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية،
السيّدات والسادة رؤساء المؤسسات،
السيدات والسادة الحضور،
يُسعدني ويُشرّفني المشاركة في افتتاح أشغال هذا الملتقى الوطني حول ” الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة ضمانا للتنمية الاقتصادية ” لما يمثّله هذا القطاع الاستراتيجي من أهمية بالنسبة لمستقبل اقتصادنا ولمآل الاستحقاقات التي نادت بها ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
لقد اختارت تونس منذ بداية السبعينيات وبعد فشل تجربة التعاضد، منوالا تنمويّا موجَّها نحو التصدير والتصنيع يقوم على سياسة تحفيز مرفَقة بتقسيم مزدوج للنسيج الاقتصادي، قطاعٌ مصدّرٌ كُليّا وقطاع موجّه لتلبية الطلب الداخلي. الأوّل موجّه بالكامل للتصدير ويتمتّع بالعديد من الامتيازات الجبائية والمالية، يساهم في سلسلة الإمداد العالمية، لكن من موقع المناول حيث يحتلّ أسفل سلّم القيمة المضافة. والثاني موجّه نحو السوق الداخلية ويحمل نفس خصائص القطاع الأوّل من حيث ضُعْف القيمة المضافة وضُعْف القدرة على التجديد والابتكار ومن حيث التبعية التكنولوجية، إضافة إلى غياب دوره شبه الكليّ في تزويد القطاع المصدّر وهو ما يفسّر حالة التجزئة والتفكّك التي عليها الصناعة التونسية.
وبسبب مراوحة هذا المنوال لمكانه في سلّم القيمة المضافة فقد أصبح شيئا فشيئا، وخاصة مع بداية التسعينيات، مكبِّلا للتنمية الاقتصادية ومُفسدا للعلاقات الشغليّة التي طَغَتْ عليها النزاعات الجماعية.
وقد مثّلت ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية تعبيرا صريحا على فشل المنوال التنموي القائم، وجاء العَقد الاجتماعي، بعد سنتين من اندلاعها، ليؤكِّد اجماع أطراف الانتاج الثلاثة في بلادنا عن إرادتهم لاستبدال هذا المنوال بمنوال جديد يكون ثَمرةَ عمل تشاركي مُستوفِي لشروط الاستدامة وقادر على خلق القيمة المضافة وبناء اقتصاد متماسك ومندمج يحقّق الانتعاشة الاقتصادية ويوفّر المزيد من فرص العمل اللائق.
السيدات والسادة،
ما من شكّ أنّ قطاع الصناعة في تونس بفضل ما راكَمه من نجاحات وانتكاسات بلَغ اليوم درجة من النضج تؤهّله لاستخلاص دروس الماضي وللاستفادة من التجارب المقارنة.
فالنسيج الصناعي التونسي، حسب المعهد الوطني للإحصاء، يعدّ 5426 مؤسّسة تشغّل 10 أشخاص فما فوق، من بينها 2373 مؤسسة مصدّرة كليّا لإنتاجها، ويشغّل أكثر من 506.983 عاملا وعاملة. وتمثّل فيه الشركات الصغرى والمتوسطة نسبة تفوق 90%.
وكما هو معلوم فقد اختارت تونس، شأنها شأن العديد من دول العالم، الاعتماد على المؤسّسات الصغرى والمتوسّطة وذلك لما لها من ميزات نَذكُر منها على سبيل المقال لا الحصر أنّها:
– لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لكنّها تساهم في التخفيف من حدّة البطالة وذلك باستيعاب الأشخاص الذين لا تتوفّر فيهم شروط العمل في المؤسّسات الكبيرة مثل السنّ والمستوى التعليمي.
– أنّها تساهم في تحقيق التوازن الجهوي بالحدّ من نزوح سكّان الأرياف إلى المدن.
– وفي أنّها تساهم في دعم المؤسسات الكبيرة سواء فيما يتعلّق بتوفير المنتوجات نصف التامّة أو لقيامها بدور الموزّع لسلعة أو التخصّص في خدمات ما بعد البيع للمستهلكين.
السيدات والسادة،
على الرغم من الدور الذي لعبته الشركات الصغرى والمتوسطة في تنشيط الدورة الاقتصادية وفي تحسين التوازنات الاقتصادية للبلاد وفي التقليص من نسب البطالة فإنّ المشاكل التي تعيق الصناعات الصغرى والمتوسطة لا تزال كثيرة ومتعددة المصادر من ذلك: صعوبة الحصول على التمويلات اللازمة لبعث المشاريع، والتأخير في دراسة الملفّات لموافاة أصحابها بالموافقة أو الرفض وغيرها من التعطيلات بسبب تفشّي ظاهرة الفساد، إضافة إلى صعوبة المنافسة في الأسواق الخارجية لحداثة التجربة مقارنة بمثيلاتها في البلدان المتقدّمة وبعض البلدان الصاعدة، علاوة على عدم تلاؤم مهارات اليد لعاملة المتاحة في السوق مع احتياجات هذه المؤسّسات، والتوقف المتواتر للإنتاج بسبب تبعية الاقتصاد التونسي وتأثّره بتقلّبات السوق العالمية.
السيدات والسادة،
إنّ تنمية قدرات الشركات الصغرى والمتوسطة على اكتساب مقوّمات الصمود أمام المنافسة تتطلّب اخضاعها للتأهيل وِفق تمشّي الجودة من ناحية، وتأهيل محيطها الخارجي حتّى يكون رافدا من روافد صمودها ودوامها من ناحية أخرى.
وممّا لا شكّ فيه أن طموح المؤسسة لتحسين أدائها، بفضل اعتماد تمشّي الجودة، يحفّزها على التفاوض حول مستلزمات العمل اللائق وللحدّ من نزاعات الشغل الجماعية وحول متطلّبات النهوض بالتكوين المهني والتصنيف المهني لتطوير المهارات وعقلنة الانتدابات.
كما أنّ طموح المؤسسة لتطوير تنافسيّتها، بفضل العمل اللائق، يستوجب منها توخّي أسلوب الحوار والمصارحة والالتزام بتعهّداتها في تطبيق الإتفاقيات. فالشفافية تخلق الثّقة وتحفّز الأُجراء وتستنهضهم للانخراط الطوعي والنشيط في رفع التحديات وكسب الرهانات.
وعلى صعيد آخر فإنّ تأهيل المحيط الخارجي لمؤسساتنا الصناعية، وخاصّة الصغرى والمتوسطة منها، يتطلّب المثابرة الفعلية والجدية على تحسين مناخ الأعمال لتيسير نفاذ هذه الأخيرة إلى التمويل وإلى الأسواق المحلية والدولية، وعلى توفير خطوط تمويل متنوعة، وتذليل الصعوبات الإدارية أمام الناشئ منها، وبحث سبل احتضانها من قبل الشركات الكبرى. كما يستوجب مراجعة مجلّة التشجيع على الاستثمار وضبط نظام جديد لها يقوم على حوافز مرتبطة بالنتائج التي تحقّقها المؤسّسة في مجالات التشغيل والتصدير وخلق القيمة المضافة والمساهمة في التنمية الجهوية.
إنّ تسلّق سلّم القيمة المضافة يستلزم توفّر مناخ أعمال خالٍ من الغشّ والفساد وبُنية تحتيّة متطوّرة ومنفتحة تفكّ عزلة الجهات الداخلية، وكفاءات بشرية ذات مؤهلات عالية قادرة على الخلق والابتكار والإبداع، ودولة قوية حريصة على فرض سيادة القانون وعلويّته.
السيدات والسادة،
إنّ نسيجنا الصناعي في حاجة إلى تطوير جاذبيته والتحلّي بالجرأة على المبادرة والمخاطرة ونبذ عقلية التواكل والإعالة، كما هو في حاجة إلى تطوير قابليّته على استيعاب المزيد من حاملي الشهائد العليا وعلى شدّ أجرائه إليه وذلك في إطار تصوّر جديد لسياستنا الصناعية.
ولا شكّ أنّ التوافقات التي حصلت وتحصل بشأن تفعيل بنود العقد الاجتماعي سوف تساعد على صياغة شروط التنمية وفق مقاربة حقوقية دامجة للأبعاد الاجتماعية والبيئيّة. ونحن على يقين من أنّ صدور الأوامر الترتيبية المتعلّقة بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي سوف يساعد لا محالة على تنفيذ ما حدّدته وثيقة جينيف حول العمل اللائق لتونس كمدخل لإرساء منوال جديد للتنمية شامل ودامج، ضامن للحماية وحافظ للكرامة، يجعل من الجودة والابتكار وتنمية الكفاءات بفضل التكوين المهني والتعلّم على مدى الحياة ويجعل من الحوكمة التشاركية ميزات تفاضلية بديلة لتلك التي كانت قائمة على التخفيض من كلفة اليد العاملة والمراهنة الخاسرة على أنماط العمل الهشّ.
شكرا على حسن الاستماع، والسلام.