بيان غرة ماي 2018
يحيي الشغالون في تونس كل سنة “غرّة” ماي العيد العالمي للعمال ويتجدّد هذا العيد بتتجدّد طموحات الشغّالين وتطلّعاتهم إلى غد أفضل تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون وبناء الجمهورية الديمقراطية المدنية الاجتماعية وتحقيق الرفاه للشّعب والقضاء على كلّ أشكال الحيف والتمييز والتهميش والإقصاء.
أيّتها العاملات أَيُّهَا العمّال
لقد نعم عمَّال العالم بهذا العيد على امتداد عقود طويلة بفضل تضحيات رفيقاتهم ورفاقهم الذين نظموا إضرابا في شيكاغو بداية شهر ماي سنة 1886، للمطالبة باعتماد نظام الثماني ساعات عمل في الْيَوْم، وانتقل بعدها هذا الإضراب إلى مدينة تورنتو، وكان شعارهم: ” ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغٍ للراحة والاستمتاع”.
لم تقبل السلطات الرسميّة وأرباب العمل بذلك، خاصةً أنّ هذا الإضراب قد حقَّق نجاحاً كبيراً وأحدث شللا في الحركة الاقتصاديّة للولاية، فواجهته السلطة بإطلاق النار على المتظاهرين من العمّال العزّل وقتل العديد منهم، كما تمّ اعتقال الكثير من المتظاهرين ومن قادة العمال، وحُكم على أربعة منهم بالإعدام، أما الباقون فقد صدرت بحقهم أحكام متفاوتة.
وقد ترك أحد القادة المحكومين بالإعدام رسالة إلى ابنه الصغير قال فيها: ” ولدي الصغير، عندما تكبر وتصبح شاباً وتحقّق أمنية عمري، ستعلم لماذا أموت وليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء وأموت من أجل قضيّةٍ شريفة ولهذا لا أخشى الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصّته لأصدقائك “..
أيّتها العاملات أَيُّهَا العمّال
لقد كان لأحداث شيكاغو تأثيرٌ مزلزل لصالح العمّال في العديد من دول العالم، وتمّ الاعتراف بعيد العمال كحدثٍ سنوي يحتفى به، وحقَّق عمَّال العالم من خلاله وحدتهم وتضامنهم وأنجزوا مكسبا تاريخيا حدّد ساعات العمل بثمانية في الْيَوْم وأصبح لهم عيدهم العالمي الخاص بهم، وقويت شوكة نقاباتهم العمّالية في أنحاء كثيرة من المعمورة. ولهذا يفخر عمَّال تونس بالانتماء إلى الطبقة العمّالية العالمية ويشعرون بالاعتزاز لكون اتحادهم، الاتحاد العام التونسي_للشّغل، يحيي هذه الذكرى سنويا بعزم وتصميم وأمل نحو غد أفضل لعمّال تونس ولعمّال العالم قاطبة..
وبقدر اعتزاز الشغّالين في تونس بانتمائهم إلى الحركة العمّالية العالمية، فإنّهم فخورون بتاريخ حركتهم النقابية التونسية العريقة وبنضالات عمَّال تونس عبر عقود منذ مطلع القرن العشرين، بدءا بإضراب عمال سكك الحديد بتونس سنة 1900 تضامنا مع نضال العاملين بشركة “بون قلما بالجزائر” وانخراطا في إضراب عمال الرصيف بتونس يوم 13 أوت 1924 حيث كان الشرارة الأولى في تحوّل لجنة الإضراب إلى نقابة مستقلة عن النقابات الفرنسية مما مهّد إلى تأسيس الكنفدرالية العامة للشغل على يد محمد علي الحامي ورفاقه لتتواصل المسيرة النقابية مع جامعة عموم العملة التونسيين الثانية بقيادة بلقاسم القناوي وانتهاء بتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل على يد الزعيم الوطني والنقابي الشهيد فرحات حشاد وثلّة من رفاقه، وهي التجربة الطويلة الدائمة إلى الآن على درب النضال والبناء، في إطار منظمتكم الوطنية العريقة والفاعلة باعتبارها قوة اقتراح رعاها نقابيون وقادة وزعماء أفذاذ منهم الزعيمان الفقيدان الحبيب عاشور وأحمد التليلي وغيرهم ممن وضعوا الأسس وسطّروا المبادئ ورسموا الأهداف وعبّدوا الطريق وقدموا التضحيات الجسام والذين من بينهم الشهيدان سعيد قاقي وحسين الكوكي. .
أَيُّهَا الشغّالون
إنّنا ونحن نحيي عيد العمّال العالمي مدعوون إلى الوقوف على واقع بلادنا التي تشهد أزمة سياسية عميقة وتعيش وضعا اقتصاديا كارثيا خيّم بظلاله على الواقع الاجتماعي المتردّي، واقع اتسم بتزايد التجاذبات السياسية على خلفية الاستعداد للانتخابات البلدية وللمحطّات الانتخابية التالية، جعلت من هذه المحطّات الانتخابية محاولة لتثبيت المواقع والأقدام في السلطة واحتكار الحكم وتابيد السلطان بدل تخطّي المرحلة الانتقالية وتثبيت الديمقراطية وترسيخ مبدأ التداول، كلّ ذلك في غياب التصوّرات والبرامج والحلول والخطط وفي ظل اداء حكومي متخبط ونقص كبير في الكفاءة مع تغليب المصلحة الشخصية والفئوية على المصلحة العامة. وقد آن الأوان لوضع حدّ لهذا الانزلاق والضغط من أجل تصحيح المسار السياسي وتوضيح أفقه حماية للديمقراطية، واستكمالا لمسار بناء الهياكل والهيئات الدستورية، وإن الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد يتعين مواجهتها بإجراءات عاجلة ودقيقة تستهدف دعم دور الدولة لعملية التنمية في ظلّ ضمور المبادرة الخاصة وتطوير كلّ من القطاع الخاص والاقتصاد التضامني والاجتماعي عبر تشريعات واضحة وصيغ تعامل كفيلة بدفع الطاقة التشغيلية وتحقيق القيمة المُضافة والمساهمة الإيجابية في التنمية، ومقاومة التهريب والاحتكار و التهرّب لجبائي والاجتماعي وتطوير المراقبة في مجالات الضرائب والاداءات ومساهمات الحماية الاجتماعية، وإدماج الاقتصاد غير المنظّم ومعالجة مشكلتي التضخّم واختلال الميزان التجاري الذين لم يعرفا ارتفاعا مثيلا منذ عقود.
وفِي نفس الوقت حلّ معضلات البطالة والتشغيل الهشّ ووضع حدّ للتهميش والإقصاء الذين تعاني منهما فئات واسعة وجهات كثيرة، وإيجاد حلول لتطوير المرفق العام وتحسين خدماته تخفيفا للأعباء المثقّلة على الأجراء وعلى عامّة الشعب حتّى يتسنّى حلّ المسألة الاجتماعية المنطلق الأصلي للثورة ولكلّ الانتفاضات الشعبية التي عرفتها بلادنا منذ عقود.
أَيُّهَا الشغّالون
إنكم جميعا مدعوون للمشاركة المكثّفة في الانتخابات البلدية نظرا لما يقدمه المرفق البلدي من خدمات في مجال جودة الحياة فلْتكونوا حريصين على اختيار المرشحين على قاعدة الكفاءة والنظافة والقدرة على خدمة الشعب ولتحذروا من كل التأثيرات المخادعة والمغالطة والمفسدة للديمقراطية ومنها تأثيرات المال الفاسد والتجاذبات السياسية والنوازع المصلحية حتى يكون الانتخاب نزيها ويكون الناخب حرّا وصائبا في اختياراته.
إن شرط نجاح هذه الانتخابات ضمان شفافيتها وعدالة تكافؤ الفرص فيها وتحقيق حياد الإدارة والمساجد وغيرها من المرافق العمومية التي ينبغي أن تظل بعيدة كليا عن التجاذبات السياسية والانتخابية.
إن تشخيص الأزمة الخانقة التي تردى فيها الوضع الاقتصادي والاجتماعي جراء انكماش النمو وتقلص الاستثمار وتدهور قيمة الدينار وارتفاع نسبة المديونية وتعطل المشاريع وتنامي التهريب والاقتصاد غير المنظم وتزايد نسب التهرب الجبائي يستدعي إصلاحات عاجلة بعيدا عن تحميل الأجراء والشعب عموما مزيدا من النيل من القدرة الشرائية أو التفويت في المؤسسات العمومية لتتحول من صروح إلى خراب، وإن الاتحاد يرفض كل الحلول التي تستهدف القدرة الشرائية للشغالين ومكتسباتهم الاجتماعية ويدعو إلى تحقيق التوازنات المالية للدولة عبر متابعة الفاسدين والمهربين والمتهربين.
أَيُّهَا الشغّالون
تعود علينا غرّة ماي من جديد وأوضاع العمّال تتردّى يوما بعد يوم، فغلاء المعيشة على أشدّه وتدهور المقدرة الشرائية في أقصاه والزيادة في الأعباء الجبائية والمعيشيّة لا تتوقّف، وفِي المقابل تبقى أجور العمّال والموظّفين في تونس من أضعف الأجور عالميا، كما تعاني نسب منهم كثيرة في القطاع الخاص من الغياب الكُلِّي أو الجزئي للحماية الاجتماعية نتيجة خرق القانون والتهرّب الاجتماعي وضعف المراقبة إن لم نقل غيابها،لتنضاف إلى ذلك معاناة آلاف الشغّالين من هشاشة أوضاعهم واستمرار استغلالهم وتسليط كلّ صنوف الحيف والظلم والإقصاء عليهم وفِي مقدّمتهم عمَّال الحضائر والأساتذة والمعلّمين النوّاب والمفروزين أمنيا. وقد عقدنا العزم على النضال من أجل فرض إصلاح حقيقيّ لهذه الأوضاع، مستعدّين من جانب إلى البدء في مفاوضات اجتماعية في القطاع الخاصّ وفِي الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومن جانب آخر متهيّئين لنضالات ميدانية تكفل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتطوّرها تناغما مع الدستور وانسجاما مع استحقاقات الثورة واستجابة إلى تطلّعات الأجراء.
أيها الشغّالون
عاد علينا عيد العمّال العالمي هذه السنة وبلادنا العربية تعيش حالة من التمزّق والتفتيت والاحتراب والاحتلال وهيمنة الاستبداد على جزء هام منها، وتستمرّ معاناة شعبنا في فلسطين بما يمارس ضدّه من تقتيل وتهجير واغتصاب لأرضه وحقوقه ودعوات جائرة لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس إمعانا في استفزاز مشاعر العرب، وإزاء ذلك فإننا ندعو القوى الديمقراطية في تونس وفي البلاد العربية وفي العالم إلى الوقوف ضد هذا القرار، وشجب التحرشات التي تتعرض لها سوريا الشقيقة من أولئك الذين غاضهم انتصارها على الإرهاب فهبّوا لتدميرقدرات الجيش السوري الباسل أسوة بما فعله أسلافهم في العراق خدمة لأهداف الكيان الصهيوني الرامية إلى تأبيد الإلتفاف على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف.
الأمين العام نورالدين الطبوبي