أخبار الرئيسيةبيانات الاتحاد

بيان بمناسبة الذكرى السادسة والستين لاغتيال الزعيم الوطني والنقابي الشهيد فرحات حشّاد

 بيان 5 ديسمبر 2018

 

أيّها الشغّالون،

يُحيي الشغّالون اليوم الذكرى السادسة والستين لاغتيال الزعيم الوطني والنقابي الشهيد فرحات حشّاد الذي امتدّت إليه، في مثل هذا اليوم، يد الغدر الاستعماري، سعيا للإجهاز على الاتحاد العام التونسي للشغل باغتيال مؤسّسه، في محاولة جبانة لإيقاف المدّ النقابي الذي أصبح معه – طبقا لتوجيهات حشّاد – الواجب الوطني هو الواجب الأوّل للعمّال، إذ تصاعدت وقتها موجة الإضرابات الاحتجاجية ردّا على مذكرة 15 ديسمبر 1951 الرافضة للاعتراف بحق شعبنا في السيادة.

لقد اتّخذ حشاد من الاتحاد أداة لتوسيع القاعدة الاجتماعية للحركة الوطنية، ولم يدّخر جهدا في استنهاض التضامن النقابي الدولي من خلال التعريف بالقضية التونسية تمهيدا لتدعيم حقّ التونسيين في الاستقلال لدى منظمة الأمم المتحدة، وبذلك أربك حشّاد السلطة الفرنسية ليصبح، عند السلط الاستعمارية، العدوّ الألدّ والأكثر صلابة في مقاومة الاستعمار، ورغم تصاعد النداءات، إنْ تلميحا أو تصريحا، للقضاء عليه، إلاّ أن حشّاد لم يقلّص من نشاطه وواصل نضاله الوطني إلى آخر لحظة من حياته.

إنّ ذكرى اغتيال الشهيد فرحات حشّاد تثير في التونسيات والتونسيين مشاعر الانتماء إلى هذا الوطن العزيز وتعلي قيم الاستشهاد في سبيله والتضحية من أجل المبادئ وعلويّة القيم الإنسانية التي كان حشّاد مثالها الأعلى ومفخرة أسطورية لتونس وللحركة النقابية العالمية التي ثارت وانتفضت في عديد بقاع الأرض لاغتياله.

أيّها الشغّالون،

لقد تدعّم، برحيل الاستعمار المباشر، موقع الاتحاد على الساحة الوطنية بمساهمته في بناء الدولة الفتيّة ببرنامج اقتصادي واجتماعي ولعبه دورا بارزا في المستقبل السياسي للبلاد انطلاقا من المبادئ التي تضمّنها دستور 1959 وفي مقدّمتها التأكيد على النظام الجمهوري وعلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب، وأسهم الاتحاد ببرنامجه الاقتصادي والاجتماعي في خيار نشر التعليم وتعميمه وتحديد سياسة صحّية عمومية تمّ من خلالها القضاء على الأوبئة، كما تمّ إنشاء أقطاب تنموية بحسب خصوصية كلّ جهة وصدر قانون العمل الفلاحي بعد تأميم الأراضي التي كان يسيطر عليها المستعرون وسُنّ قانون الأحوال الشخصية وتعويض إدارة الأوقاف بوزارة الشؤون الاجتماعية وتمّ إقرار نظام توزيعي للضمان الاجتماعي وإصدار مجلّة الشغل وبعث إدارة لفضّ النزاعات الشغلية وأخرى للإرشاد الاجتماعي.

إلاّ أنّ مساهمة الاتحاد في بناء الدولة التونسية الحديثة، باعتباره جزءا من المشهد الوطني في الحياة السياسية، قد اصطدمت بتضارب صارخ مع مصالح النظام وتوجّهاته ممّا أدّى إلى ضرب قيادات الاتّحاد واعتقالها وتعذيب عدد منها إلى حدّ الموت وطرد عدد كبير آخر وحرمانهم من حقّ العمل وتشريد عائلاتهم وإدخال البلاد بذلك في أزمات اجتماعية عديدة وحادّة خرج منها الاتّحاد، كلّ مرّة، أصلب عودا وأقوى تجاوبا مع قواعده العمّالية.

ولقد وجدنا في شعبنا وفِي بعض نخبه ومنهم المحامون وبعض مكوّنات المجتمع المدني، خلال تلك المحن والأزمات التي مرّ بها الاتّحاد، سندا قويّا وحاضنة كبيرة، وآخر تلك الأزمات الاعتداء الهمجي المدبّر يوم 4 ديسمبر من سنة 2012 ذلك اليوم الذي تمت فيه محاولة اغتيال حشاد مرّة أخرى بمناسبة إحياء ذكراه، وقد كان ذلك حافزا للمطالبة بحلّ عصابات ما يسمّى بروابط حماية الثورة، وهو ما تحقّق لاحقا وتمّ منعها من النشاط درءا للعنف ومنعا للأجهزة الموازية للدّولة، وإنّنا لنجدّد، اليوم وبالمناسبة، المطالبة بتتبّع المعتدين والمدبّرين لهذه الجريمة ونتوجّه مرّة أخرى إلى القضاء للمطالبة مجدّدا بنفض الغبار عن القضية المودعة لديه بوثائقها ومستنداتها وقرائنها وشهودها ومتَّهميها، بنفس الإصرار الذي يقودنا إلى المطالبة بمزيد كشف حقائق اغتيال الزعيم حشاد بكلّ تدقيقاتها، انصافا للشهيد ولعائلته وللاتحاد العام التونسي للشغل ولتونس قاطبة.

أيها الشغالون،

لقد ظلّ اتّحادكم  منذ تأسيسه وإلى اليوم طرفا رئيسيا لا يمكن تجاوزه، رائده توجيه التنمية على قاعدة العدالة الاجتماعية وضمان مصالح الأجراء من خلال الالتزام بمبادئ النضال التي أرسى أسسها الزعيم الخالد الشهيد فرحات حشّاد، وفِي نفس الوقت الالتزام بمنهج الحوار الاجتماعي أحد ضمانات فرض حقوق الشغّالين في تحسين مقدرتهم الشرائية وتطوير شروط العمل اللائق وظروفه في جلّ العقود المشتركة وبالمراهنة على الطلب الداخلي حماية للنسيج الصناعي الوطني على قاعدة منوال تنمية دامج وعادل ومنصف، ومن جانب آخر مواجهة الأزمات التي تمرّ بها بلادنا عبر القيام بمبادرات وطنية مستقلّة تجنّبها التعثّرات التي تردّت فيها بلدان شقيقة أخرى. فقد مكّن الحوار الوطني الذي قدناه إلى جانب منظّمات المجتمع المدني الأخرى من انتقال ديمقراطي سلس سيظل محكوما لإدراك أهدافه بقدرة كافة مكوّنات شعبنا على رفع التحديات وكسب الرهانات.

وإنّ هذه الذكرى تعود علينا اليوم بظلال أزمة تمرّ بها البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي والكلّ يتساءل عن سبل الخروج منها: استشراء البطالة وانفلات التضخّم والغلاء المفرط للمعيشة وانهيار الدينار، ممّا أدّى إلى تدهور القدرة الشرائية لعموم التونسيات والتونسيين وإلى عجز الطبقات الضعيفة عن اقتناء أدنى حاجياتها الحياتية الأساسية ومنها الغذاء والدواء، وهو وضع عمّقته الأزمة السياسية التي يقودها البحث عن التموقع عوض البحث عن آليات وبرامج تنموية ناجعة لخلق الثروة وتوزيعها بصفة عادلة ومنصفة. وهو ما دعانا إلى تنفيذ إضراب عام ناجح يوم 22 نوفمبر 2018 في الوظيفة العمومية واتّخذ قرار لإضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام يوم 17 جانفي 2019.

أيّها الشغالون،

لقد مرّت اليوم ثمانية سنوات على ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي حيث ظلّت الأسباب المباشرة لقدح ثورة الحرية والكرامة قائمة الذات في ظل إصرار الحكومات المتعاقبة على تنفيذ نفس السياسات والخيارات التي أثبتت فشلها، وهي سياسات كرّست دكتاتورية المديونية وارتهان السيادة الوطنية للصناديق الأجنبية وخلقت اقتصادا هشّا عقيما.

ولمّا كنّا نعيش على وقع هذه الذكرى، فإنّه يجدر التذكير بأنّ حشّاد قد علّمنا كيف يكون شعب هذا البلد الصغير – عبر التعويل على الذات أوّلا – قادرا على المبادرات التاريخية للخروج من أزماته. وقد أخطأت الجهات الحاكمة إلى اليوم سبل التوصل والتوافق لإيجاد الحلول للأزمات التي صنعتها بخياراتها الخاطئة وسياساتها الفاشلة، وإن الاتّحاد العام التونسي للشغل لن يتوانى عن لعب الدور الريادي والمبادر، والبحث عن خلاص وطني لأنه يؤمن إيمانا قطعيّا بدوره التاريخي حبّا في تونس وشعبها وبأنه لا نموّ ولا إقلاع من دون تصوّر شامل وخيارات كبرى لمنوال تنموي متكامل ومندمج ومتشابك وعادل.

أيها الشغالون،

إنّ شعور الانتماء الوطني عند حشّاد كان في نفس الوقت مقترنا بمشروع طالما حلم به ولم يدّخر جهدا في سبيل تحقيقه حيث اعتبر في أكثر من مناسبة “بأنّ حظّ بلدان شمال إفريقيا مشترك ووثيق الارتباط وقضيتها واحدة ممّا يتوجّب معه إحكام عقد الرباط الأخوي المتين الذي يربط الطبقة العاملة في أقطاره الأربعة ووجوب تكتّلهم للقيام بواجبهم نحو أوطانهم التي تشملها مصلحة واحدة ومستقبل واحد”، وفي هذا الإطار ندعو إلى القيام بمبادرات جادّة يتمّ بمقتضاها تجاوز الشلل السياسي الذي كبّل كلّ مسعى للبناء والإنجاز في مستوى مغربنا الكبير.

وإنّنا في نفس الوقت لنتطلّع إلى أن تكثّف القوى الحيّة والديمقراطية في منطقتنا العربية التي تعاني من الاحتلال والإرهاب والتدخل الأجنبي جهودها من أجل وقف هذه الحروب العبثية وتأكيد حقّ شعوب المنطقة في تقرير مصيرها بأيديها وفضّ نزاعاتها بالطرق السلمية وليس بحروب الوكالة كما نتطلّع في نفس الوقت إلى توحيد كافة الفصائل الفلسطينية في اتّجاه مقاومة الكيان الصهيوني العنصري حتى يتحقّق لشعبنا الفلسطيني الباسل حقّه في الحرية وفي بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 الأمين العام

نورالدين الطبوبي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى