
كلمة الأخ نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة إحياء الذكرى 80 لتأسيس الإذاعة الوطنية
تونس، في 13 فيفري 2019
السادة والسيدات: الصحفيون والإعلاميون،
السادة والسيدات: الضيوف وضيفات هذه الذكرى،
إذ تمرّ اليوم ثمانون سنة على تأسيس الإذاعة الوطنية، فإنّه من الصعب تعديد مُنجزات هذا المرفق العام الضارب بتاريخه في أعماق ما عرفته البلاد من تحوّلات جذرية بدءًا بتأسيس الدولة الوطنية وصولا إلى مرحلة ما بعد الثورة التونسية..
فتاريخ الإذاعة الوطنية ومُنْجَزَهَا، يرتبطان أشدّ الارتباط بالتاريخ المعاصر لتونس ويشكّلان الفضاء الأرحب لِمِخْيَالِهَا الجماعي المشترك ولذاكرة شعبها بكلّ الأجيال المتعاقبة ولكلّ المنعرجات التي مرّت بها البلاد.
ولئن سبقت نشأة الإذاعة الوطنية نشأة الدولة الوطنية بعد استقلالها سنة 1956، فإنّ ذلك يعني فيما يعنيه أنّ الإعلام الوطني والعمومي، قد رافق مراحل مهمّة من تاريخ تونس، فعكس صوتها وصورتها في كلّ مرحلة من مراحل معارك تحرّرها وبناء دولتِها المستقلَّةِ والوطنيةِ وَأَرَّخَ لها بالحِبْرِ والصوتِ.
وبقدر ما تُمكِّنُنَا الإذاعة الوطنية من إعادةِ قراءةِ تاريخ البلاد نضالاً وثقافةً ومعرفةً ورموزًا وأبطالاً في كلّ الحقوق والمجالات، بقدر ما تَكشفُ لنا عن ذلك الزَّخَمِ الكبير الذي قدّم الكثير لبَلدنا ولشعبنا، من أجل المساهمة من مواقع متقدّمة في توعية الشعب وتثقيفه ونقل همومه والتعبير عن أحلامه وتطلّعاته.
إنّ اختيار النقابة الأساسية شعار “الحوار، التسامح والسلام في الخطاب الإذاعي” بمناسبة إحياء الذكرى الثمانين لتأسيسها، يدلّ دَلالةً واضحةً ولا غُبَارَ عليها على مدى ارتباط وعي صحفيي وإعلاميي وتقنيي الإذاعة الوطنية بالقضايا الحارقة والجوهرية التي تحتاجها تونس اليوم بعيدا عن المزايدات والتجاذبات والمناكفات السياسية.
فتونس التي مرّت عليها ثلاثةُ عشرَ حضارة، قد شكّلت من خلال تاريخها وموقعها الجغرافي جِسْرَ تَواصلٍ وحوارٍ بين ضفّتي المتوسّط، شمالَها وجنوبَها وحلقةَ وصلٍ متينةٍ بين الخضارات..
وتأتي في مقدَّمةِ هذه المعايير والقيم الحضارية والإنسانية السامية: قِيمَتَا التسامح والسلام بين الشعوب والثقافات واللغات والأجناس والأديان.
وبالعودة إلى كلّ الحضارات التي عرفتها تونس، فإنّه لا يمكن لنا إلاّ الإقرار بكونها قد نَحَتَتْ البِنْيَةَ الذِهنيةَ لمبادئ الحوار والتسامح والسلام…
وإنّ قيم الحوار والتسامح والسلام، قد كانت اللَّبِنَاتْ الأساسية للدِّينِ الإسلامي الحنيف التي عرفته البلاد التونسية، بدءًا من حركات الإصلاح الوطنية وصولا إلى الدور التاريخي الذي لعبته الجامعة الزيتونية في انتاج مدارسَ ومذاهبَ دينيةً إصلاحيةً وتنويريةً، قَادَهَا رُوّادُ هذا الفكر من الثعالبي وبن عاشور والحدّاد وجعيّط وغيرهم من الذين أسّسوا مدرسة للفكرِ النَيِّرِ الاصلاحي تَنْبُذُ كلّ أشكالِ الانغلاق والتشدُّدِ والعُنفِ والإرهابِ.
وعلى هذا الأساس، وعلى غيْره من الأبعاد والدلالات والرموز في تحديد الشخصيةِ القاعديةِ للتونسي، اختارت النقابة الأساسية للإذاعة الوطنية شعار “الحوار والتسامح والسلام في الخطاب الإذاعي”.
السادة الصحفيون، السيدات الصحافيات، السادة الضيوف،
لا شكَّ أنّ النقابة الأساسية للإذاعة الوطنية باعتبارها هيكلاً حيويًّا من هياكِلِ الاتحاد العام التونسي للشغل ورَافِدًا من روافدِه النوعية التي لاءَمَت في وظيفتها بين النقابي والإعلامي البديل والنوعي، قد اسْتَلْهَمَتْ شعار إحياء الذكرى الثمانين لتأسيسها من العمق الحضاريِ والفكريِ لوطنِها من ناحية ومن الدور التاريخي والراهن للاتحاد العام التونسي للشغل الذي يلائِم بين النضال الاجتماعي والوطني وبين قِيَمِ الحوار والتسامح والسلام من ناحية ثانية، كلّها قِيَمٌ قَادَتْ نضالات المؤسّسين للاتحاد العام التونسي للشغل سواء في معركة التحرّر الوطني أو في مرحلة بناء الدولة الوطنية أو خلال الثورة التونسية، حيث قاد الاتحاد العام التونسي للشغل الحوار الوطني، فأنقذ تونس من مُنْزَلَقَاتِ خطيرة بين أبناء الشعب الواحد، وهو ما مكّنه من إحرازه على جائزة نوبل للسلام لأوّل مرّة في تاريخ تونس..
وإذ كنّا لا نشكّ لحظة واحدة فيما قَدَّمته كلُّ الأجيال من الإعلاميين والصحفيين على مدار ثمانين سنة من جهودٍ محمودةٍ وتضحياتٍ جبّارةٍ من أجل تجذير ثقافةِ الحوار والتسامح والسلام وتوسيع مجالاتها داخل تونس وخارجها، فإنّه لا يَفوتني بهذه المناسبة إلاّ التنويه والإشادة بالدور الريادي الذي لعِبته كلّ الأجيال من العاملين في الإذاعة الوطنية في هذا المجال، حيث نَتولّى اليوم تكريم ثُلّةٍ من فرسانِ القلمِ والمِصْدَحِ اعترافًا منّا لهم بما قدّموه نساءًا ورجالا لوطنهم وشعبهم وللإعلام العمومي والوطني..
فشكرا لهم وشكرا لكلّ العاملين في الإذاعة الوطنية عبر تاريخها.
السادة الصحفيون، السيدات الصحافيات، السادة الضيوف،
وإذ كنّا نُعوّل عليكم جميعا، اليوم وأكثر من أيّ وقتٍ مَضَى في الانخراطِ من مواقعٍ مؤثّرةٍ في القضايا الحارقةِ والجوهريةِ لوَطنكم وفي مقدّمةِ هذه القضايا التنميةُ الشاملةُ والعدالةُ الاجتماعيةُ ومقاومةُ الفقرِ والتهميشِ والفوارقِ والأمّيةُ والإرهابِ والتطرّفِ بكلِّ أشكاله وأنواعه ومدافعين في نفس الوقت عن المَرفق العام من خلال إعلام نزيه ومستقلّ وحرفي وثقافة هادئة، فإنّنا نَدعوكُم إلى أن تكونوا النَّمَوْذَجَ المثاليَ للإعلامِ الوطني وقَاطِرَتَهُ في ظلِّ تَوسُّعِ دائرةِ الإعلامِ الخاصِ وما تفرضُه من منافسة، متسلِّحِين في هذا الرهانِ الموكولِ لَكُم على أخلاقياتِ المهنةِ الصحفيةِ وميثاقِ شَرَفِها وعلى كفاءتِكم المهنية العالية وعلى مهارتِكم الصناعيةِ في انتاج مادّة إعلامية تَعْكِسُ همومَ شعبِكُم وتترجِم تطلّعَاتِه نحو الأفضلِ والأعْدَلِ والأجملِ.
شكرا على حسن استماعكم، والسلام.