أخبار الرئيسيةبيانات وبلاغات

كلمة الأخ نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل العالمي

كلمة الأخ نورالدين الطبوبي

الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل

بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل العالمي

تونس في، غرّة ماي 2019

 

أخواتي وإخوتي في النضال، حماة الاتحاد والوطن،

عاملات وعمّال تونس،

الصديقات والأصدقاء الأوفياء،

 شكرا لكم ومرحبا بكم في ساحة محمد علي خالدة الذكر..

شكرا لكم لبقائكم أوفياء.. أوفياء لدماء الشهداء.. ولروّاد الحركة النقابية العالمية والتونسية..

نُحْيِي اليوم العالمي لعيد العمّال وقد فَقدنا اثْنَتَا عشرة عاملة في المجال الفلاحي على إثر حادث مرور مُرِيع وسَقَطَتْ أكثر من اثْنَتَيْنِ وعشرين جريحة.. حادث تَكرَّر مرّات وفَضَح َالمُعاناة التي تَرْزَحُ تحتها مئات الآلاف من الكادحات في غياب علاقة شغلية واضحة وانعدام للحماية الاجتماعية وفقدان لأدنى شروط العمل اللائق.. نساء ضحايا التهميش والتفقير والاستغلال وضحية شاحنات الموت..

لِنَقِفْ دقيقة صمت على أرواحهنّ..  وعلى آخر شهيد للمؤسّسة العسكرية وكلّ شهداء الوطن..

  أخواتي إخوتي، صديقات الاتحاد وأصدقاءه،

نُعاهدكم أن نَفِي حقَّ كادحات السبّالة وكادحات العمل الفلاحي في كلّ شِبْرٍ من تونس العزيزة حَقَّهُنَّ في تأمين حياتهِنّ وكرامتهِنّ ولن نتوانى في الضغط من أجل تحويل الاتفاقية المشتركة للعاملين في القطاع الفلاحي إلى اتّفاقيات قطاعية ملموسة تصاحبها اتفاقية نقل العملة الفلاحيين.. لا مجال للاستعباد بعد اليوم.. الاتحاد العام التونسي للشغل سيدافع على عمّال الفلاحة كما يفعل دوما مع كافّة الشغّالين..

شكرا لحضوركم في الموعد ككلّ سنة في مثل هذا اليوم لنحتفل معا باليوم العالمي للشغل.. يوم التضحية والصمود.. يوم انتفض عمّال وعاملات شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية في وجه قوى الاستغلال وغُلاة الاستبداد انتصارا لحقوقهم، وتأكيدا لذاتهم كعماد الاقتصاد وكطرف رئيسي في التشييد ونحت المستقبل.

فالمجد والخلود لعاملات وعمّال شيكاغو ولكلّ من سار على دربهم من الروّاد ليُعَبِّدوا لنا طريق الحرية والانعتاق، وليفتحوا لنا الآفاق واسعة من أجل مراكمة المكاسب والحقوق.

الأخوات والإخوة،

تعود علينا هذه الذكرى ونحن على مشارف موعد جديد من الانتخابات التشريعية والرئاسية بدأت تجلّياتها تطغى على المشهد السياسي في شكل تجاذبات لا علاقة لها بما يعيشه المواطن التونسي من إرهاصات وما تُعانيه البلاد من إكراهات.

فما تعيشه البلاد اليوم من احتجاجات شعبية عارمة، ومن احتقان وغضب لدى متساكني الجهات الداخلية والأحياء الشعبية، هي مظاهر مؤشّرة على نفاذ الصبر وعلى فقدان الثقة وعلى سخط عام تجاه الطبقة السياسية بشكل عام.

الأخوات والإخوة،

بعض الأوساط وخاصّة تلك الحاكمة أو المقرّبة منها ترى في الحراك الاحتجاجي الجاري اليوم تطاولا على هيبة الدولة. والحقيقية أنّه ردّة فعل طبيعية لفشل سياسات الائتلافات الحاكمة، وإدانة صارخة للانقلاب على إرادته، والالتفاف على أهداف ثورته.

لم يدرك هؤلاء أنّ الأمر بالنسبة للمنتفضين لم يعد مجرّد “تراخ” أو “أيادي مرتعشة” أمام تغوّل الفساد في أوصال الدولة والمجتمع، بل أضحى سياسة ممنهجة تتحكّم في إدارتها مافيات التهريب والاحتكار والمال الفاسد.

لم يدرك هؤلاء أنّهم أصبحوا متّهمين بالتواطؤ مع تلك المافيات ويستظلون بظلالهم ويلهثون استجداءً لأموالهم ولطلب استرضائهم.

هم لا يدركون أو يتجاهلون أنّ الفساد لم يعد فسادا عائليا أو فئويا كما في العهود السابقة، بل هو اليوم “فساد معمّم” يشارك فيه الكلّ لإفساد الكلّ، كلٌّ بحسب موقعه ونفوذه وقدرته على الإفساد. وإنّ ما أصبح يخشاه الشعب أن تستمرّ سرقة ثورته وأن يستعيد الحكم الدكتاتوري موقعه بعد أن قاومه الشعب ونجح في الإطاحة برأس حكم الفساد المافيوزي في 2011.

أخوات وإخوتي في النضال،

ماذا سننتظر من حكم الفساد غير الاستسلام والتواطؤ والاضطلاع بدور الراعي والخادم للمافيات المتنفّذة والحاكمة بأمرها.

ماذا فعل هذا الحكم إزاء الفساد الصحّي الذي أودى بحياة 14 رضيعا في مستشفياتنا العمومية؟

ماذا فعل هذا الحكم إزاء فضيحتي البنج الفاسد واللوالب القلبية الفاسدة؟

ماذا فعل هذا الحكم إزاء إهدار المال العام الذي أكّده تقرير دائرة المحاسبات سنة 2018 وإزاء الخسائر المترتّبة عن الصفقات العمومية المشبوهة والتي بلغت 2000 مليار سنويّا؟

وماذا فعل هذا الحكم إزاء ما يحصل من تجويع الشعب بالغلاء المشطّ للأسعار وتعويم الدينار بما يعنيه من فقدان القرار السيادي على عملتنا ومصير بلادنا؟

وماذا فعل هذا الحكم إزاء المحاولات المحمومة لتصفية القطاع العمومي وإزاء هجرة الكفاءات التونسية خارج الوطن؟

ماذا فعل الحكم لتجاوزات الدولة وهي الراعية لتطبيق القانون في منع التشغيل الهشّ وحلّ معضلة حضائر ما بعد الثورة الذين طالت معاناتهم وآن الأوان لوضع حدّ لها في اتّفاق عادل ومنصف..

ماذا فعل هذا الحكم في إنهاء ما تبقّى من ملفّ المفروزين أمنيّا وسائر المعطّلين عن العمل.. لن نسكت على استمرار الفرز.. ويجب التسريع بوقف العقاب الجماعي..

ماذا فعل هذا الحكم بخصوص إصدار القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة.. ليس هناك ظلمٌ وجُوْرٌ أشدّ من معاقبة عائلات الشهداء وتنكيلا بجرحى الثورة.. لا صمت بعد اليوم..

كلّ ما ذكرنا ليست سوى عناوين بارزة للفساد المستشري وحالة الوهن والاستسلام التي أصبح عليه نظام الحكم في بلادنا.

إنّ هيبة الدولة في منح الكرامة للناس وفرض سيادة القانون والقطع مع الفساد والمفسدين.

وهيبة الدولة ليست هيبة الأشخاص بل هي هيبة القانون وتحقيق العدالة والمساواة واحترام انتظارات الشعب وتطلّعاته والسعي لتحقيقها

الأخوات والإخوة،

نعيد ونكرّر أنّنا مع كلّ التحرّكات الاحتجاجية السلمية ضدّ التهميش والإقصاء والفساد والمفسدين، وضدّ سياسة التجويع الممنهجة الموجّهة لابتزاز المواطن عبر الزيادات العشوائية في أسعار المحروقات والكهرباء وعديد المواد والأدوية والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي اللاّ شعبية.

لكنّنا وبكامل الصراحة والوضوح لسنا مع توظيف ما يجري من تحرّكات احتجاجية سلمية مشروعة لتحقيق أغراض حزبية أو فئوية ضيّقة ولسنا مع أيّ تحرّك احتجاجي يتعارض مع مصالح المواطن واستحقاقاته الأساسية ومع مقتضيات القانون. مثل هذا التوظيف وهذه التحرّكات المدفوعة الأجر نرفضها ولا نقبل بها وندينها ونشهّر بها.

إنّنا مع من يرفضون أن يفنوا عمرهم معطّلين عن العمل أو مهمّشين أو مُهانين أو محرومين من أبسط مقوّمات العيش الكريم. إنّنا مع مشروعية المآخذ ضدّ الحكومة وضدّ تعثّر آدائها في تلبية الاستحقاقات الموعودة على الصُّعُدِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنّنا نُعارض ما يذهب إليه البعض من تعطيل المرفق العام ومن تجاوزات للقانون ولمقتضيات الدستور ولقيم العمل ولروح الحوار والتوافق.

لأجل ذلك توجّهنا منذ أيّام بنداء إلى الحكومة، ونحن على مشارف شهر رمضان المعظّم لأن تتحمّل مسؤوليتها تجاه التونسيات والتونسيين في أمنهم الغذائي. فقد أضحوا اليوم رهينة إملاءات صندوق النقد الدولي السالبة للكرامة وللسيادة الوطنية والخاضعة لصولات المهرّبين والمحتكرين.

كما دعوناها أي الحكومة إلى وقف التفاوض بخصوص اتّفاقية الشراكة المعمّقة مع الاتحاد الأوروبي ALECA والتشاور مع المجتمع المدني ورسم أهداف وطنية تصون مصالح تونس وتحفظ سيادتها ويكون فيها التفاوض ندّيا واعيا كفءًا.

ولأجل ذلك أيضا قرّرنا المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. ليس بخوضها مباشرة بل على الطريقة التي توخّيناها على امتداد تاريخنا، عبر البرامج والرؤى.

لقد باشرنا مهمّة إعداد برنامج اقتصادي واجتماعي ضمّناه رؤيتنا لما يمكن أن تكون عليه تونس الغد. أردناه مرجعا يقود منظورينا من النقابيات والنقابيين في اختيارهم لمن سوف يمثّلهم كمواطنات ومواطنين في مجلس نوّاب الشعب وفي أعلى هرم السلطة.

ولأنّنا نؤمن في أعماقنا، أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، بأهمية هذا الموعد الانتخابي على اعتباره فرصة للاختيار الحرّ والمستقلّ، وحقّه مكفول دستوريّا وواجب ملزم أخلاقيّا فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى كلّ النقابيات والنقابيين وإلى كلّ المواطنات والمواطنين للإقبال على التسجيل في القوائم الانتخابية وعلى المشاركة بكثافة في الانتخابات القادمة ليقولوا كلمتهم وليقرّروا مصيرهم بأيديهم وليغلقوا المنافذ أمام محاولات استبدال دولة الاستبداد بدولة الفساد. وقررنا أيضا أن نُجَنِّدَ مئات النقابيين لمراقبة عملية الاقتراع لضمان الشفافية والنزاهة وسلامة العملية الانتخابية من التدليس والابتزاز والضغوطات.

الأخوات والإخوة،

البعض يصرّ على إرجاعنا إلى مربّع المطلبية وينفي علينا، عن جهل، حقّنا في الاهتمام بالشأن السياسي وفي الاصداح برأينا حول ما يُتّخذ من سياسات ومن إجراءات بل ويفتعل التعلّات للتهجّم على الاتحاد والتجنّي على مكانته في المجتمع.

الأمر اللافت أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، أنّ تكثّف الهجمة على الاتحاد العام التونسي للشغل قد تزامن مع تكثّف حالة الانفلات العام بالبلاد وتزايد الاحتقان وتصاعد الحركات الاحتجاجية بما يوحي بأنّنا أصبحنا مصدر إزعاج لأصحاب مشروع حكم المصالح الفئوية والشخصية، وهو ما يشرفنا في الحقيقة لأنّه يثبت مرّة أخرى أنّنا الأقرب إلى نبض الشارع وإلى هموم الجماهير المفقّرة والمجوّعة وهو يثبت أيضا أنّ المتربّصين باتّحادنا وبمناضلينا يخشون على مصالحهم الشخصية الفئوية الضيقة.

ما لم تدركه هذه الأوساط الحاكمة أنّها أصبحت عاجزة على إدارة الشأن العام وأنّ الشعب، رغم التعتيم الإعلامي، ومحاصرة الرأي المخالف، وخنق المبادرات، أصبح مقتنعا بضرورة تملّك مصيره بيده، وأنّ جدار الخوف الذي شيّدته هذه الأوساط الحاكمة على مرّ العقود قد اتّسع شرخه بعد أن افتكّ الشعب الشارع بإرادته واستحوذ على الفضاء العام المحجوز لعقود لدى هذه الدكتاتوريات المتعاقبة. إنّنا نتوجّس خِيفَةً من النزعة الاستبدادية التي تريد تكميم الأفواه عبر محاكمة المدوّنين أو بسط النفوذ على وسائل الإعلام أو غلق المؤسّسات الإعلامية كما حدث مع قناة نسمة أو ابتزاز الإعلاميين وحجب حقوقهم.

الأخوات والإخوة،

لقد أنهينا بنجاح الجولات التفاوضية في القطاع العام والوظيفة العمومية وفي القطاع الخاص الذي ما زالت بعض القطاعات فيه لم تحصل على زياداتها كالمخابز والمطاحن ونقل المحروقات وغيرها… وقد حصل ذلك بفضل نضالاتكم البطولية والتفافكم حول منظّمتكم وإيمانكم بمشروعية مطالبكم. لكنّ المؤسف أنّ الارتفاع الجنوني للأسعار الذي نشهده منذ مدّة وتفشّي مظاهر الاحتكار والمضاربة سرعان ما تسبّب في امتصاص ما حصلنا عليه من زيادات في الأجور وهو ما خلّف الكثير من الاستياء والاحتقان في صفوف الأجراء كما في صفوف عديد الشرائح الاجتماعية الأخرى ومنهم المتقاعدون الذين نحيّيهم على روحهم النضالية واستماتتهم في الدفاع عن الحقوق.

إنّنا واعون شديد الوعي بصعوبة الأوضاع وبالمخاطر الكبيرة المحدقة ببلادنا وبالصعوبات والإكراهات التي ما انفكّت تُقْعِدُ اقتصادنا على الإقلاع. ولقد عبّرنا دائما عن استعدادنا التامّ للتضحية ولتقاسم الأعباء لكنّنا كنّا دائما نؤكّد أنّ التضحية مطلوبة من الجميع وأنّ على الحكومة أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة في البحث عن سبل تطوير مواردها لا عبر ارتهان سيادة الدولة بالخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي اللاّ شعبية ولا عبر إثقال كاهل الأجراء والفئات المحرومة بالزيادات العشوائية في الأسعار، بل عبر تشديد الخناق على كبار المحتكرين والمهربين والمتهرّبين من واجباتهم الضريبية والمتنفّذين في الاقتصاد الموازي… فإلى سلطان القانون وإلى رقابة الدولة وإرادة الشعب، هذا هو المطلوب.

سنباشر في شهر جويلية جولة أخرى من المفاوضات الاجتماعية بعنوان 2020 وسوف لن نقبل بمقايضة الزيادة في أجورنا بالزيادة في الأسعار وفي الأداءات وفي نسب الفائدة. إنّه تحيّل على الشعب، وسوف نُواجهها بكلّ ما أُوتِينَا من قوّة في إطار ما يسمح به القانون.

الأخوات والإخوة،

يعود علينا عيد العمّال العالمي هذه السنة ومنطقتنا العربية ما تزال تعيش حالة من التمزّق والتشتّت والاحتراب والاحتلال وهيمنة الاستبداد على جزء هام منها، وما يزال شعبنا في فلسطين يعاني الأمرَّيْن جرّاء عمليّات التقتيل الوحشي وسياسات التهجير الهمجية والاغتصاب المُمنهج لأراضيه وحقوقه المشروعة، لينضاف إلى كلّ هذه الجرائم قرار الإدارة الأمريكية الجائر بنقل سفارتها إلى القدس وإقرار الجولان السوري أرضا صهيونية، إمعانا في استفزاز مشاعر الفلسطينيين ومشاعر كلّ العرب عموما، وفي انتهاك صارخ للمواثيق الدولية وحقّ الشعوب في تقرير المصير.

وإزاء عربدة الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة الأمريكية فإنّنا ندعو القوى الوطنية في تونس وفي البلاد العربية وأحرار العالم إلى دعم حقّ الفلسطينيين في دولتهم وعاصمتها القدس والضغط من أجل التراجع عمّا اتّحذ من قرارات باطلة والنضال من أجل وقف الاعتداءات المتكرّرة التي تتعرّض لها سوريا الشقيقة، على يد أولئك الذين أغاضهم انتصار شعب سوريا على الإرهاب فأرادوا تدميرها كما فعلوا في العراق خدمة لأهداف الكيان الصهيوني والإمبريالية. وإنّنا سنواصل النضال من أجل إصدار قانون لتجريم التطبيع بشتّى أشكاله.

 

عاشت تونس

عاش الشغّالون في تونس

عاش التضامن العمّالي العالمي،

عاش الاتحاد العام التونسي للشغل ديمقراطيا مستقلاّ مناضلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى