أخبار الرئيسيةبيانات وبلاغات

بيان ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي

اليوم 14 جانفي 2017 تعود علينا الذكرى السادسة لانطلاق مسار ثوري قدحته حركة احتجاجية اجتماعية اتّسعت رقعتها فتحوّلت إلى ثورة شعبية هبّ إليها أغلب فئات المجتمع وغطّت كل تراب تونس وروّته بدماء شهدائها من الشباب العزّل الذين جوبهوا بالقنص والتنكيل. لكنّها ثورة أشعلتها القرى والمدن المفقّرة والمهمّشة واحتضنتها وغذّتها المدن الكبرى والحواضر فاعطتها جذوة واتقادا، لتبدأ بشعار “شغل حرية كرامة وطنية ” ولتنتهي بشعار ” الشعب يريد إسقاط النظام”، ولترتقي بذلك من المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية طالما حلم التونسيون بتحقيقها ومنها بناء دولة ديمقراطية مدنية اجتماعية تسودها العدالة والقانون والمساواة.
أحلام، إذا استعرضنا حصيلة ست سنوات من الصراع والهزّات والمخاطر، تكاد تتبخّر فتنحصر في ملامح حرية التعبير والتنظّم التي تتهدّدها بدورها ودوما انتكاسات نروع البعض إلى العودة إلى الوراء واستعادة آليات القمع والاستبداد لقمع أي نزعة احتجاجية ولو كانت سلمية وكبت الحرّيات وسلب الحقّ في المعلومة وضرب كلّ نفس الإعلامي حرّ مقابل إطلاق العنان للانفلات الأمني ولفساد إعلامي عمل على تدمير الوعي وهتك القيم الثورية وتفتيت البناء الديمقراطي وتحطيم مكاسب سنوات من النضال من أجل حرية جاءت بالتضحية ولم تتحقّق بالمنّ والأعطيات والهبات.
لقد تعاقبت السنوات وتعدّدت المخاطر على بلادنا من إرهاب وتهريب للأسلحة ودعاوي التكفير وتهجير لشبابنا إلى محارق الموت بدعوى الجهاد ومن فساد واستشراء المحسوبية والثراء غير المشروع ومن تدمير للمقدرات والطّاقات عبر التهريب والاحتكار والاقتصاد الموازي سعيا إلى عودة آليات الحكم الاستبدادي، فلم ينعم شباب الثورة إلا بمزيد التهميش وإطالة أمد البطالة ولم يتمتّع جرحاها إلا بمزيد الآلام ولم يستفد عائلات الشهداء إلاّ بالنزر القليل من المساعدات بعد لأي وفي أحيان كثيرة إلاّ بالفتاة والوعود ولم يعش عموم الشعب غير مزيد من التهميش والإقصاء والتفقير ولم يعش الشغّالون غير مزيد تدهور مقرتهم الشرائية.
مرّت سنوات ستّ ولم تحلّ المسألة الاجتماعية فلم نلمس رغبة في تحقيق لبنات أولى من العدالة الاجتماعية والجهوية لكلّ التونسيات والتونسيين. وتعمّقت الأزمة الاقتصادية نتيجة استمرار نفس الخيارات الكبرى ونفس منوال التتنمية الفاشل الذي تكرّس لعقود وأثبت كارثيته على المجتمع وعلى مستقبل البلاد وعلى سيادتها ولم نجد رغبة في تغيير هذه السياسات تغييرا جذريا يفضي إلى خيارات اجتماعية حقيقية يمكن أن تحقّق نقلة نوعية للبلاد.
ورغم الجهود المبذولة وخاصّة من المجتمع المدني لإنقاذ البلاد من أزماتها وفي مقدّمتها أزمتها السياسية الخانقة فمازالت هناك قوى تشدّ إلى الوارء وترتهن بهذا القدر أو ذاك لالتزامات خارجية لا تفيد التونسيات والتونسيين بل تكرّس تبعيتهم وتعمّق إقصاءهم وتؤسّس لارتدادات خطيرة قد تهزّ من استقرار البلاد وتقوّض ما تمّ بذله من جهود لبناء الديمقراطية وتأسيس الجمهورية الثانية وإرساء دستور عادل يضمن الحقوق والحرّيات ويمنع الديكتاتورية والحيف.
لقد أكّدنا في الاتحاد العام التونسي للشّغل دوما ألاّ ديمقراطية مع الفقر والتهميش ومازلنا نعتقد جازمين أنّ الحرّيات وحدها لا تكفي لضمان الحقوق وأنّ الأمرين متلازمان وأنّ الشعوب لا تتقدّم عندما يكون أكثر من ثلثيها واقعا تحت ضغط الفقر والحاجة ومدفوعا بفعل الإقصاء والظلم والتمييز إلى الانحراف والتمرّد على القانون واختيار سبل الإرهاب والتنصّل من الانتماء الوطني. وهو ما يستدعي إرساء سياسات اجتماعية عادلة وواضحة وبناء منوال تنموي يقطع مع الماضي ويعيد للدّولة دورها في التخطيط والبناء والتشييد ويبني مجتمعا منصفا عادلا تسوده المساواة ويتمتّع فيه التونسيات والتونسيون بما يخلقونه من ثروة وطنية.
لقد شكّل الاتحاد العام التونسي للشّغل قبل الثورة وأثناءها وبعدها القاطرة لكلّ حركة اجتماعة وشعبية ومثّل ملجأ للمحرومين والمهمّشين وملاذا للمعطّلين والمفروزين والخاضعين لكلّ صنوف الحيف وسيظلّ الممثّل لأغلب فئات الشّعب والمفاوض باسم العمّال وكافّة الشغّالين وقوّة الاقتراح والتوازن في البلاد ومحتضنا كلّ حراك اجتماعي سلمي رغما عمّا يحاك له من دسائس تحت مسمّيات مختلفة وسيواصل رسالته الوطنيّة حاميا لأهداف الثورة رافعا لمطالبها ساعيا لتحقيقها بعيدا عن الشعبوية وايضا كلّ صنوف الحيف والظّلم والتمييز الاجتماعي والجهوي.
وعلى هذا الأساس بنى الاتحاد العام التونسي للشّغل سياساته ووضع حلوله وبرامجه التي دوّنها في دراسات ومقترحات لم تلق لدى دوائر القرار غير التجاهل نظرا لإمعان هذه الدّوائر في انتهاج سياسات ليبيرالية خاطئة عمّقت أزمة البلاد وزادت من اختلال التوازن بين فئاتها وجهاتها. وفي نفس الاتجاه سار الاتحاد العام التونسي للشّغل وهو يساهم في خطّ الدستور وفي تضمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية داخله وفي إبرام العقد الاجتماعي قصد إيجاد الأطر والآليات والتوافقات من أجل حلّ المسائل الاقتصادية والاجتماعية بما يعود بالنفع على كل المواطنين، وبنفس العزم دفع إلى وثيقة قرطاج برنامجا وخارطة طريق لحكومة جاءت بعد حكومات تعاقبت وعجزت عن إيجاد الحلول ونقضت عهودها التي قطعتها ايّام الانتخابات.
إنّ الذكرى السّادسة لثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي تحتّم علنا ن والمخاطر الجمة تتهدّد بلادنا، أن نجدّد التذكير بأولوياتنا التي غفل عنها الكثيرون أو تجاهلوها عمدا وان نضع نصب اعيننا شعار الولاء لتونس والوفاء لشهدائها والإخلاص لعمّالها، شعار يترجم مهمّات المرحلة ويلخّص جملة المبادئ والثوابت التي يجب أن نسير على خطاها انسجاما مع مبادئ الاتحاد وتناسقا مع أهداف مؤسسيه وروّاده،ومن هذه الأولويات:
1. وضع منوال تنموي قائم على العدالة الاجتماعية وعلى الانصاف وعلى التنوّع وعلى يعوّل أساسا على المقدرات الذّاتية وعلى ريادة الدّولة وعلى دورها التعديلي وخاصّة في المجالات الاستراتيجية ويكون معاضَدا باقتصاد اجتماعي وتضامني قوي وبقطاع خاص يقطع مع الطفيلية ويؤسَّس على تحقيق القيمة المضافة ويدفع إلى طاقة تشغيلية كبيرة.
2. مقاومة الفساد والتهريب والاحتكار والاقتصاد الموازي والتهرّب الجبائي وبناء تصوّرات تنموية جهوية منسجمة مع روح الدستور ومبادئه ومتناسقة مع إرادة سياسية لبناء اقتصاد اجتماعي قويّ ومتحرّر من كلّ تبعية.
3. الإسراع باستكمال المؤسّسات الدستورية والقانونية والاستحقاقات الانتخابية المتوافق عليها من أجل تخطّي عشوائية القرارات وارتجاليتها وسياسات التفرّد التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة وحتّى يتسنّى وضع الآليات الكفيلة لمنع أيّ ارتداد إلى الوراء والنكوص على القانون واختراق الدستور سواء تعلّق الأمر بحماية الحرّيات أو بضمان الحقوق أو بصيانة علوية القانون أو باستقلال القضاء.
4. الإسراع بحلول عاجلة لعاطلين عن العمل بما يضمن حدّا أدنى ن الكرامة ومن التغطية اجتماعية في انتظار برامج وخطط لتشغيل أوسع ما يمكن من الشباب وخاصّة منهم حاملي الشهائد العلمية، والتدخّل السريع لحل معضلة المفروزين أمنيا وتمتيعهم حقوقهم على غرار نظرائهم ممن سلّطت عليهم مظالم في العهد البائد.
5. وضع استراتيجية وطنية لمقاومة الإرهاب لا تقوم على المحاصصة والمقايضات وترعى المصلحة العليا للوطن وتقتلع هذا الدّاء من جذوره عبر سياسة شاملة تحقّق مقاومة الإرهاب على جميع الأصعدة.
لقد لعب الاتحاد العام التونسي للشّغل دوره الوطني والاجتماعي بجدارة وسيظل يلعبه باقتدار وسيكون مؤتمره القادم الثالث والعشرون مناسبة لتعميق الرؤى وضبط الاستراتيجيات ووضع الخطط واستشراف المستقبل حتّى يواصل دربه في الدفاع عن شعبنا وعن كل الفئات وفي مقدّمتها المهمّشة وعن كافّة الجهات وعلى رأسها المقصية متسلّحا بالحلول لا بالشعارات متمسّكا بالبرامج لا بالوعود رافضا القفز على إرادة الشعب متصدّيا لكلّ الانتهاكات مقاوما للنّزعات الليبيرالية مناضلا ضدّ كلّ صنوف الحيف محاربا الإرهاب ودعاته ومموّليه متشبّثا بحقّ العمّال في تونس وفي الوطن العربي وفي كلّ أرجاء العالم في عدالة اجتماعية تنصف جهدهم وعطاءهم وتضحياتهم، آملا في غد أفضل لكّ التونسيات والتونسيين.
العزّة لتونس
المجد والخلود للشّهداء
عاش الاتحاد العام التونسي للشّغل نصيرا للشّعب

الأمين العام

حسين العبّاسي

قسم الاعلام والنشر-Journal Echaab

الفريق الاعلامي للاتحاد العام التونسي للشغل https://www.ugtt.org.tn

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى