بيان الذكرى الواحدة والسبعين لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل 20 جانفي 1946-20 جانفي 2017
يحيي الاتحاد العام التونسي للشغل ذكرى تأسيسه الواحدة والسبعين وهو يستعدّ شامخا لعقد مؤتمره الثالث والعشرين بعد مدة نيابية حافلة بالأحداث والمستجدات خرج منها مظفرا لا فقط بسبب ما حققه من إنجازات ومكاسب لعموم الشغالين ولكن خاصة بحفاظه على الإرث الذي انبنت عليه منظمتنا منذ التأسيس. حيث واجه كل المحاولات الرامية لإثنائه عن لعب دوره الوطني في تأمين الانتقال الديمقراطي والدفاع على تحقيق أهداف الثورة، إلا أنه وفي إطار الحفاظ على استقلاليته عن كل الأطراف والتجاذبات كان الطرف الفاعل في إدارة الحوار الوطني بين مختلف الفرقاء السياسيين في البلاد.
لقد أراد حشاد ورفاقه من المؤسسين لمنظمتنا العتيدة أن يكون الاتحاد مؤسسة نضالية وطنية تضم كل القوى الحية بالبلاد وتعبّؤها لمواجهة المستعمر بغاية إرساء مجتمع يسوده العدل والمساواة في مناخ من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، عناصر تشكل في جملتها ركائز ترسيخ مقومات الحياة الكريمة.
وبدحر المستعمر تحوّلت تلك الشحنة من سلاح ضد الاستعمار إلى سلاح لتثبيت الاستقلال فانخرط اتحادنا بشكل مباشر في بناء الدولة الحديثة وفق برنامج اقتصادي واجتماعي يهدف إلى مجتمع مستقرّ يحقّق العدالة الاجتماعية ويرتقي بأوضاعها ويضمن مناخا يحترم الحريات وحق التنظّم ويكرّس الديمقراطية بجانبيها الاجتماعي والسياسي.
إلاّ أنّ خيار التوجّه نحو الليبرالية الاقتصادية خلال السبعينات من القرن الماضي شكّل مسافة أكثر وضوحا بين الاتحاد والقائمين على شؤون البلاد، مما دفع منظمتنا إلى الانتقال من مصمّم أصلي للدولة وللنموذج المجتمعي إلى شريك اجتماعي في سياسة الأجور والحماية الاجتماعية وفق مطلبية تأخذ بعين الاعتبار حاجيات العمال وتضمن كرامتهم. فحيكت ضد قياداته المؤامرات وصلت إلى حدّ التخوين كما تم التضييق على حرية الممارسة النقابية وافتعال القضايا ضد النقابيين،فكان لا بدّ لمناضلي الاتحاد أن يتمسّكوا باستقلالية القرار النقابي باعتباره الدرع الذي يحصّن المنظمة وأن يتشبّثوا بحرية النشاط تكريسا للقيم التي ناضلت من أجلها أجيال متتابعة قدّم فيها العمال والنقابيون التضحيات الجسام وهو ما تسبب في أزمة اجتماعية -على إثر تنفيذ الإضراب العام في 26 جانفي 1978 دفاعا عن استقلالية القرار النقابي- أدارها النقابيون باقتدار وحكمة مؤكدين لأعداء الاستقلالية بأن كافة مظاهر انسداد الحوار وتعطّله لن تؤدي إلا إلى التراجعات والتوترات وعليهم الكف عن استهداف الاتحاد والقبول بمبدإ استقلاليته.
وحيث أن اتحادكم لم يكن نقابة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة وإنما هو جهاز يجمع أصنافا اجتماعية متنوعّة تستمدّ قوّتها من انغراسها في محيطها الاجتماعي والجغرافي وتستند إلى ثقافة توافقية في أخذ القرار لم يتمكن من الصمود أمام دولة الاستبداد فحسب، بل إن المعارضة قد وجدت صلبه ملاذا للحفاظ على وجودها وللتعبير عن مواقفها، وقد شمل ذلك كل الحساسيات المتواجدة على الساحة بمختلف توجّهاتها الأمر الذي أهّله أن يحتضن الثورة ويدفع إلى نجاحها، وأن يلعب دورا أساسيا في تأطير مسار الانتقال الديمقراطي مثلما تجلّى ذلك بصفة خاصة عبر مبادراته المتميزة بتنظيم الحوار الوطني من أجل مجابهة الأزمة السياسية الخانقة التي هزّت البلاد خلال سنة 2013 فسهّل بذلك المصادقة على دستور الجمهورية الثانية في 27 جانفي 2014، وبذلك حلّ الإشكالات التي رافقت الثورة بعيدا عن الدخول في مسار الفتن الداخلية وتصدّع الكيان الوطني.
أيّها الشغالون،
لقد كنّا مؤمنين بأنّنا دون إنجاز هذا الخيار لن نتمكّن من تحقيق البعد الاجتماعي المتمثل في التوصيات والمهام التي حمّلنا إياهامؤتمرنا الأخير، فحرصنا على خوض مفاوضات اجتماعية مواصلة للدور الذي اضطلع به اتحادنا منذ التأسيس إدراكا منا بأن ما سيتمخّض عنها من نتائج لفائدة الأجراء سيكون حجر الزاوية في ضمان استقرار اجتماعي ويصرف السواعد إلى بناء اقتصادنا وفق ما نصبو إليه من نتائج تنموية.
وإننا لنسجّل في نفس الوقت بفخر التقدم الحاصل في طيّ ملف آلاف الأعوان من الذين اشتغلوا قبل الثورة بعقود تشغيل هشّة كما تم الشروع في تقديم التصورات العملية لإدماج أولئك الذين اشتغلوا بنفس الصيغبعد الثورة.
أيّها الشغالون،
إن الشباب الذي نجح في تحويل انتفاضة شعبية عارمة تضامنا مع محمد البوعزيزي رافعا شعار: شغل، حرية كرامة وطنية لم تظهر له بعد آفاق القضاء على البطالة والفقر والتهميش فضلا عن غياب المؤشرات الكفيلة برفع حالة الاقصاء التي لا زالت تشهدها الجهات الداخلية من غياب للاستثمار والتنمية ومقومات الحياة الكريمة مما يستدعي التسريع بإصدار قانون المجالس المحلية وهي الآلية الناجعة في نظرنا والكفيلة بمباشرة تحقيق التنمية الشاملة.
وإن الاتحاد –تواصلا مع ماضيه القائم على الاقتصاد الاجتماعي- وبغاية فتح آفاق جديدة لهذا الشباب وإدماجه في الدورة الاقتصادية انكبّ منذ الثورة وبالشراكة مع كافة قوى المجتمع المدني المعنية بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني على إعداد مشروع في الغرض عسى أن يكون تبنّيه وسيلة ناجعة للإحاطة بجانب من هذا الشباب المعطّل.
أيّها الإخوة والأخوات،
إن منظمتكم – وهي تقبل على إنجاز مؤتمرها بعد يومين انكبّت خلال المدة السياسية المنقضية على إعداد تصوّرلتطوير تشريعاتها الداخلية من أجل الموازنة بين التطلعات النقابية الصنفيةوالسلكية لكافة الأجراء واتخاذ القرارات الكفيلة بتمكين المرأة العاملة والشباب العامل من الحضور الفاعل ضمن هياكل القرار والتسيير، وهي قرارات تمليها الرغبة المتواصلة منذ التأسيس في تحقيق التحديث المرجو، فضلا على تطلعنا إلى هيكلة تستجيب لمقتضيات التطوير واستحقاقات التحولات المتسارعة التي يشهدها عالم العمل وسيتم عرض هذا المشروع على المؤتمر العام لنقاشه والمصادقة عليه.
أيّها الإخوة والأخوات،
إننا نحيي هذه الذكرى وكلنا تطلع لاستقرار أوضاع شعبنا العربي في ليبيا وسوريا، في اليمن والعراق، بعد دحر الإرهاب وإفشال مخططات التقسيم والتجزئة والطائفية التي تسعى قوى الهيمنة الإمبريالية والصهيونية لفرضها على أمتنا بتواطؤ مفضوح من الأنظمة الرجعية العميلة.
كما أننا نقف كما كنا دائما مع نضال شعبنا الأبيّ المقاوم في فلسطين على درب تحرير وطنه المحتل ودحر الاستيطان الصهيوني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
تونس في 20 جانفي 2017
عاش اتحادنا حرّا ديمقراطيا مستقلا ومناضلا
المجد للشهداء، العزة لتونس
الأمين العام
حسين العباسي