
كلمة الأخ نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في الندوة الوطنية للهجرة حول “تونس والهجرة “
“تونس والهجرة: نحو مقاربة قائمة على حقوق الإنسان”
طبرقة، في 13ــ 14 نوفمبر 2018
السيد وزير الشؤون الاجتماعية،
السيد ممثل منظمة العمل الدولية،
السيد ممثل الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان،
السيد ممثل مؤسسة فريدريش إيبرت،
السيد ممثل جمعيات الهجرة،
السيد ممثل الهيئة الوطنية لمناهضة الاتجار بالبشر،
السيد ممثل الرابطة التونسية لحقوق الإنسان،
السيد مثل منظمة “إندا” للطلبة والمتربصين الأفارقة،
السيد ممثل الشبكة النقابية المتوسطية ولبلدان جنوب الصحراء،
السيد: ممثل المنتدى الاقتصادي والاجتماعي،
الأخوات والإخوة،
السيدات والسادة،
أودّ بداية أن أشكركم على حضور ندوتنا الوطنية حول الهجرة والتي موضوعها “نحو مقاربة قائمة على حقوق الإنسان” وأن اُقدّر فيكم روح التعاون والتضامن التي ما انفكّت تتجلّى وتتوطّد عبر ما تقومون به لفائدة العمالة المهاجرة وعائلاتهم من أجل حمايتهم ضدّ كلّ الانتهاكات التي تستهدفهم وتسئ إلى كرامتهم.
الأخوات والإخوة،
السيدات والسادة،
لقد أصبحت معضلة الهجرة تحتلّ مكانة مركزية في العلاقات الدولية، والواضح اليوم أنّ المقاربة الأمنية السائدة لهذه الظاهرة تحيل إلى عجز الدول بمفردها لصياغة سياسات مسؤولة وناجعة قادرة على الملائمة بين الاعتبارات الأمنية ولاجتماعية والإنسانية.
لذلك أصبحت النقابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط وبلدان جنوب الصحراء مدعوّة أكثر من أيّ وقت مضى إلى تحمّل مسؤوليّاتها التاريخية والأخلاقية تجاه الانتهاكات المتكرّرة لحقوق المهاجرين وإلى العمل سويّا وبشكل ناجع وبتنسيق تامّ على الصُعُد الوطنية والإقليمية والدولية للحدّ من تدهور الظروف المهنية والمعيشية للعمّال المهاجرين، والنضال ضدّ كلّ أشكال التمييز والعنصرية والكراهية المسلطة عليهم.
لقد جعل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ نشأته، من مسألة الحقوق لاقتصادية والاجتماعية ومن حقوق الإنسان شغله الشاغل، وهو مُطالب اليوم بملاءَمة رُؤيته بشأن هذه القضايا بما يستجيب لاستحقاقات الواقع الجديد في بلادنا.
وللحقيقة أقول أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل هو من المنظمات النقابية القليلة في منطقة جنوب المتوسط التي أفردت مسألة الهجرة بهيكل خاص يُعنى بشؤونها. وقد مكّننا هذا الالتزام القويّ تجاه بناتنا وأبنائنا الذين يعيشون في المهجر وعلى امتداد العقود الماضية من اكتساب تجربة في هذا المجال.
لكن وللحقيقة أقول أيضا أن مسألة التونسيات والتونسيين بالخارج لم تعد تمثّل الوجه الوحيد لحركة الهجرة بما أن بلادنا أصبحت وجهة للعمالة المهاجرة الأجنبية ومعبرا لها نحو أوروبا وهذا ما يحمّلها كما يحمّلنا مسؤولية الحرص على وضع سياسة نشيطة في هذا المجال ترتكز على المقاربة الحقوقية دون غيرها من المقاربات الأمنية.
فما نلاحظه من معاملات ومن انتهاكات لحقوق المهاجرين الأفارقة في بلادنا ومن ظروف عيش متردّية لأوضاعهم يحفّزنا للمثابرة على فهم هذا الواقع الجديد حتّى نستطيع التفاعل معه بنجاعة خدمة لمصالح جميع الشغالين وهو الأمر الذي يحتم علينا النضال من أجل أن نكون طرفا معنيّا في وضع برامج متعلّقة بالعمالة المهاجرة بل ومتابعتها وتقييمها وفي التفاوض بشأنها سواء كان ذلك على الصعيد المحلي الوطني أو الثنائي أو متعدّد الأطراف على الصعيد الخارجي مثل ما هو الحال بالنسبة لعلاقات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي.
الأخوات والإخوة،
السيّدات والسادة،
إنّ الامتداد الأُفقي للهجرة يجعل منها موضوعا استراتيجيا ورهانا مستقبليّا بالنسبة للحركة العمالية. فقد أصبح من الضروري إضفاء الانسجام والتناغم على ما نقوم به من جهود. وفي، الدور الريادي الذي يقوم به الاتحاد العام التونسي للشغل منذ أربع سنوات على رأس الشبكة النقابية المتوسطية ولبلدان جنوب الصحراء قد ساعد على فَهْمٍ أفضلَ للرهانات والتعرّف على ما يجب القيام به تجاه العمال المحليين والتونسيين المقيمين بالخارج والمهاجرين المقيمين بالتراب التونسي. إنّها معادلة علينا أن نُدرِجها في جدول أعمالنا للبحث عن السبل الكفيلة بالملاءمة فيما بين هذه المكوّنات الثلاث على قاعدة الإنصاف والمساواة ووفق مقاربة حقوقية ضامنة للحماية وللعمل اللائق.
الأخوات ولإخوة،
السيّدات والسادة،
علينا أن نقرّ صراحة أنّ افتقار بلادنا لسياسة نشيطة في مجال الهجرة وأنّ سلبية مصالحنا العمومية أقعدانا لحدّ اليوم عن استغلال ما توفّر لنا من فرص للتخفيف من الضغط المسلّط على سوق العمل الوطنية وتحويل هذه الفرص التي تكرّسها بعض الاتفاقيات كتلك التي أبرمتها تونس مع الحكومة الفرنسية منذ 2008، سياسة الإدماج الجمهوري داخل المجتمع الفرنسي والتي ظلّت تُراوح مكانها في مستويات دنيا مقارنة بما تسمح به تلك الاتفاقية. إن العيب فينا والتقصير منّا بالأساس.
فمصالحنا العمومية كديوان المهاجرين التونسيين تَعُوزُها الإرادة النشيطة والجرأة على المبادرة في مجال المرافقة والاستكشاف والتنسيق.
إنّ الاكتفاء بالمطالبة بمراجعة اتفاقيات التعاون، على أهميّتها، لا يكفي ولا يجدي في نظرنا طالما أننا نفتقر إلى القدرة على استغلال مثل هذه لاتفاقيات بما يفي بحاجياتنا ولا يخفف من مشاكلنا.
الأخوات والإخوة،
السيدات والسادة،
إنّ عسكرة البحر الأبيض المتوسّط سواء من خلال وكالة الحدود وحرس السواحل الأوروبية المقرّر تعزيزها بعشرة آلاف عون من حرس الحدود وحرس السواحل بحلول عام 2020 أومن خلال تدويل الحدود عبر إصدار أوامر زجرية لبلدان شمال إفريقيا قصد إقامة مراكز احتجاز دون أيّ احترام لسيادة الدول وفي تناقض تامّ مع القانون الدولي إنّما يعكسان عقم السياسة الأوروبية بشأن الهجرة والتي تقوم على منطق المقايضة والمساومة.
إنّ الاستمرار في تجاهل الروابط الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين دول شمال إفريقية وقارّتهم هو العائق الرئيسي لسياسة الجوار الأوروبية الحالية. لذلك نرى أنّ إزالة الحواجز التي تقف أمام الشراكة مع دول الضفّة الجنوبية هو السبيل الأنسب لتقوية منطقة المتوسط ودمجها لتصير منطقة سلام وتَقدّم اجتماعي وهو ما يعني أنّ مستقبل التعاون بين جنوب المتوسط وشماله لا بدّ أن يتأسس على التعاون فيما بين بلدان الجنوب أوّلا لمواجهة التحديات المشتركة من أجل التنمية الشاملة والمندمجة.
ولا شكّ أنّ الشبكة النقابية للهجرة لبلدان المتوسط وبلدان جنوب الصحراء مدعوّة لأن تضع تصوّرا جديدا للتعاون بين نقابات بلدان المنشأ وبلدان العبور والبلدان المضيّفة يقدّم الأجوبة التي يمكن اقتراحها في إطار الشراكة الأورومتوسطية من منظور العمل اللائق للجميع بما يمكّن من مكافحة الاتجار بالبشر والاضطلاع بمسؤولية الدفاع عن العمّال الغير نظاميين وتوفير السبل الكفيلة بتطوير آليات الهجرة النظامية.
إنّه السبيل الوحيد لمواجهة التحديات القائمة والمستقبلية ذات العلاقة بحركة الهجرة.
شكرا على حسن الاستماع، والسلام.