بيان الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل
تونس، في 20 جانفي 2020
بيان الذكرى الرابعة والسبعين
لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل
20 جانفي 1946 – 20 جانفي 2020
أيّتها العاملات، أيها العمّال،
تمرّ اليوم 74 سنة على تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، يوم شكّل قفزة نوعية في النّضال الوطني والاجتماعي بتأسيس منظّمة نقابية تونسيّة لها جذور تاريخية وأهداف وطنية وتنهل من تجربة العمل النقابي العالمي. منظّمة وحّدت الأجراء التونسيين بالفكر والساعد وكرّست القطيعة مع الكنفدرالية العامّة للشغل التي كرّست التمييز وأهملت الموقف من الاستعمار. فكان المزج بين الأولويات الوطنية والاهتمام بالمسائل الاجتماعية أحد أهمّ عناصر سرعة الانتشار وقوّة التغلغل في صفوف الشعب والقدرة الفائقة على تأطير العمّال، فكان ربط المؤسّسين وفي طليعتهم الشهيد حشّاد بين النضال الاجتماعي والنضال السياسي والوطني أمرًا مؤكدًا.
إنّ ذكرى تأسيس الاتحاد تثبت التاريخ العريق لهذه المنظّمة العتيدة، إذ لم تكن مساهمته الفعّالة في دحر المستعمر آخر مهامه فقد أضحى في طليعة القوى المنخرطة في تثبيت الاستقلال وبناء الدولة العصرية وفق برنامج اقتصادي واجتماعي، تبنّته أوّل حكومة، ليعمل على تحقيق العدالة والارتقاء بأوضاع البلاد ضمن مناخ يحترم الحريات وحقّ التنظّم ويكرّس الديمقراطية بجانبيها الاقتصادي والاجتماعي. برنامج رائد، أعدّته خبرات وقيادات نقابية منتصف الخمسينات من القرن الماضي، الأمر الذي كلّف الاتحاد جسيم التضحيات وأدّى إلى استشهاد الكثيرين من مناضليه.
ومرّة أخرى يواصل الاتحاد لعب دوره الوطني إلى اليوم ليكون دومًا فاعلا في الحياة السياسية وفي الشأن الوطني، وآخرها لعبه الدور الحاسم في الثورة وفي الإطاحة برأس سلطة الاستبداد وفي تأمين الانتقال الديمقراطي ثمّ إدارته للحوار الوطني بين مختلف الفرقاء السياسيين حرصا منه على تثبيت التجربة الديمقراطية، فأنقذ بلادنا من الانزلاق في مسار الفتن الداخلية وتصدّع البنيان الوطني، ويسّر المصادقة على دستور الجمهورية الثانية في 27 جانفي 2014.
الأخوات والأخوة،
لا شكّ أنّ ما تمرّ به البلاد من أوضاع دقيقة، يجعل من مسؤولية الاتحاد واجبًا دائما من أجل تحقيق أهداف الثورة وإنقاذ البلاد ممّا تردّت فيه من تجاذبات وأزمات طالت العديد من المستويات. فقد انغلقت السبل أمام شبابنا الذي نجح في إيقاد ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي ولم تتحقّق آماله في الخروج من نفق البطالة والتهميش. وغرقت فيه البلاد اقتصاديا واجتماعيًا وسياسيا في أزمة تنذر بالكارثة وخيّم كلّ ذلك بظلاله على وضع عموم الشعب وتفاقم الخضوع إلى ضغوطات لوبيّات الفساد وغياب التصوّرات والبرامج والحلول ونقص كبير في الكفاءة، وغلبت المصالح الشخصية والفئوية على المصلحة العامة واستمرّ استنساخ منوال تنموي فاشل وغير عادل فتعمّقت الفوارق الطبقية والجهوية وكان من أبرز نتائجه ارتهان القرار الوطني للدوائر المالية الأجنبية، وتدهور الأوضاع المادية للشرائح الاجتماعية المتوسطة والمفقّرة وانحدرت مقدرتها الشرائية إلى أدنى مستوياتها.
الأخوات والأخوة،
ويرتفع منسوب التوتر وتعمّق الأزمة مع غموض الوضع السياسي وعدم استقراره وتواصل التجاذبات خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي أفرزت مشهدًا سياسيًا مشتّتا وبرز ذلك خاصة في تعثّر تشكيل الحكومة، كما برز في ارتفاع منسوب التحريض على العنف حدّ التهديد بالقتل وهو ما ينذر بالعودة من جديد إلى مربّع العنف لغاية تكميم الأفواه وتكبيل الخصوم ومنع أيّ رأي مخالف.
الأخوات والأخوة،
إذ نحيّي كافة مناضلاتنا ومناضلينا لاستبسالهم في الدفاع عن منظّمتهم وعن الحقّ النقابي وعن سائر الحرّيات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي نصّ عليها الدستور وفرضتها ثورة الحرية والكرامة وضحّت من أجلها قوافل الشهداء جيلا بعد جيل، فإنّنا نؤكّد مواصلة النضال بلا هوادة حتّى تحقّق آمال شعبنا في الكرامة وينال شبابنا ما يطمحون إليه من شغل وتقدّم ورفاه وحتّى تستعيد بلادنا مكانتها ودورها الإقليمي والدولي وتتحقّق سيادتنا الكاملة على ثرواتها ومقدّراتها الطبيعية والبشرية.
أيّتها العاملات، أيّها العمّال،
ونحن نعيش على وقع هذه الذكرى فإنّه يجدر بنا التذكير بأنّ حشّاد قد علّمنا أنّ التعويل على الذات هو السبيل للخروج من الأزمات، لذلك يتعيّن البحث عن خلاص وطني من هذه السياسات التي كرّست دكتاتورية المديونية وارتهان السيادة الوطنية للصناديق الأجنبية وخلقت اقتصادا هشّا عقيما، وإنّ اتّحادكم لن يتوانى عن المبادرة بلعب دوره التاريخي والريادي عبر تقديم التصوّرات الكفيلة بتحقيق منوال تنموي متكامل ومندمج وعادل، وفرض واجب التدقيق في ثرواتنا وفي ديوننا وفي المالية العمومية.وإنّ ما ينتظرنا من محطّات نقابية وأهمّها المجلس الوطني يفرض علينا الاستعداد إليه بالتفكير والتخطيط والاستشراف تعزيزًا للديمقراطية والاستقلالية والنضالية ودعمًا لوضوح الموقف وجلاء الرؤية.
ولقد نجحنا مع نظرائنا في الجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا في إعادة تنشيط الاتحاد النقابي لعمّال المغرب العربي بعقد مؤتمره الذي تحتضن بلادنا مقرّه، ولا شكّ أنّه سيكون إطارًا لإحكام الرباط الأخوي المتين الذي يربط الطبقة العاملة في الأقطار المغاربية الخمسة وهو ما خطونا فيه أشواطًا مع رفاقنا في الجزائر نحو عقد اتّفاق شراكة بين اتحادات جهوية وقطاعات ينتميان إلى الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام للعمّال الجزائريين، وفي هذا الإطار نجدّد الدعوة إلى القيام بمبادرات جادّة يتمّ بمقتضاها تجاوز الشلل السياسي الذي كبّل كلّ مسعى لإنجاز حلم الشعوب في بناء المغرب الكبير.
الأخوات والإخوة،
إنّنا، إذ نعبّر عن انشغالنا بما تعانيه المنطقة العربية من احتلال واستبداد وتدخّل أجنبي وتناحرات دموية، وإنّنا ندعو في نفس الوقت كافّة القوى الحية والديمقراطية فيها إلى تكثيف جهودها من أجل دحر الاحتلال ووقف هذه الحروب العبثية وتأكيد حقّ شعوبها في الحرية وفِي تقرير مصيرها بعيدا عن أيّ تدخّل أجنبي. كما نجدّد رفضنا للتدخل الأجنبي في ليبيا ونعتبر أن حلّ أزمتها لن يكون إلاّ ليبيا ليبيا.
كما يهمّنا أن نجدّد الدعوة إلى توحيد كافّة الفصائل الفلسطينية في اتّجاه مقاومة الكيان الصهيوني المحتلّ حتّى يتحقّق لشعبنا الفلسطيني الباسل حقّه في بناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف. كما نجدّد تجنّدنا للنضال مع كلّ القوى الحيّة لفرض سنّ قانون تجريم التطبيع في تونس.
عاش اتّحادنا حرّا مستقلاّ ديمقراطيا ومناضلا
المجد للشهداء والعزّة لتونس
الأمين العام
نورالدين الطبوبي