أخبار الرئيسيةالذاكرة النقابيةبيانات الاتحاد

وداعـا محمد شقرون

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

بمزيد الأسى والحسرة ولكن بقلوب راضية بقضاء الله وقدره تلقّينا خبر وفاة أخينا وصديقنا المناضل النقابي محمد شقرون إثر أزمة صحية ترتّبت عن إصابته بوباء كورونا الذي يأبى إلاّ أن يأخذ منّا الأعزّاء علينا رحمهم الله جميعا ووقى بلادنا شرّه وغيره من الأوبئة.

بوفاته، نفقد في الأخ محمد شقرون مناضلا يحتلّ مكانة بارزة في حلقات الربط بين أجيال النقابيين. فقد عايش وهو شاب يافع عددا كبيرا من المؤسّسين وتعلّم منهم الكثير وعمل بصفة مباشرة مع عدد منهم مثل الزعيم الحبيب عاشور وعبد العزيز بوراوي وخيرالدين الصالحي. كما عمل بصفة تكاد تكون لصيقة مع الزعيم الحبيب عاشور وتحمّل معه وزر الأزمتين اللتين عرفهما الاتحاد والنقابيّون في جانفي 1978 وخريف 1985. وفي نفس الوقت فتح أبواب الاتحاد أمام الشباب المتعلّم والمثقّف حتى يتحمّل المسؤولية النقابية في المصانع والإدارات ويرتقي في السلّم النقابي الى أعلى المستويات حيث أنّنا نعدّ اليوم من قيادات المنظّمة وكوادرها وطنيا وجهويا عددا هامّا من الإخوة الذين انطلقت مسيرتهم بإشراف الراحل محمد شقرون في الاتحاد الجهوي بتونس أو في الاتحاد الجهوي ببنعروس لمّا وقع تأسيسه في بداية الثمانينات.

ولا جدال في أنّ أخلاق محمد شقرون وكفاءته ونضاليّته هي التي أهّلته، إضافة إلى ثقة النقابيين فيه، إلى تحمّل منصب الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بتونس وخاصّة في امتداده الترابي القديم حيث كان يغطّي كامل إقليم تونس الكبرى. كما أنّ خصاله مكّنته من الحيازة على ثقة قادة الاتحاد في تلك الظروف التي اتّسمت بصعوبات اقتصادية واجتماعية جمّة عنوانها الأبرز دون شك هو انتفاضة الخبز، وأزمة نقابية داخلية نتجت عن استقالة 7 أعضاء من المكتب التنفيذي الوطني وتأسيسهم لمنظّمة نقابية موازية جرت كلّها في ظلّ أزمة سياسية خانقة سببها الرئيسي سباق خلافة الرئيس الحبيب بورقيبة، وفي ظلّ أزمة اقتصادية تسبّبت فيها الاختيارات الليبرالية المتوحّشة وأهمّ عناوينها التفويت في المؤسّسات العمومية وضرب الحقّ النقابي.

لم يكن محمد شقرون ليحصل على هذه المكانة لولا كفاءته النقابية ونضاليّته اللتين اكتسبتهما من خبرته في قيادة النقابة الأساسية بمصنع المعادن الذي كان يعدّ 500 عامل والاتحاد المحلّي بالمنطقة وهو هيكل كان ينضمّ تحت لوائه عدّة آلاف من الشغّالين حيث تحمّل المسؤولية منذ سنة 1971 حيث استطاع أن يحقّق للعمّال مكاسب غير مسبوقة يأتي على رأسها مكسب العقود المشتركة القطاعية التي شارك في نقاش البعض منها والزيادات غير المسبوقة في الأجور بعد إلغاء القانون الذي كان معمولا به من قبل والذي يمنع التفاوض في الأجور ومنها العديد من المنح مثل منحة الإنتاج ومنحة الشهر الثالث عشر وغيرها كثير.

لذلك لمّا حصلت الهجمة على الاتّحاد في جانفي 1978 والاعتداء على مقرّاته الجهوية ومقرّه المركزي كان محمد شقرون في مقدّمة النقابيين الذين هبّوا للدفاع عنه وعن قياداته وخاصة عن استقلالية قراره النقابي حيث أنّه نظّم إضرابا ناجحا يوم 27 جانفي 1978 احتجاجا على ما حصل من اعتداءات على الاتحاد يوم الخميس 26.

في مساء نفس اليوم أي يوم 27 تحوّلت قوّة هامة من عناصر أمن الدولة إلى شقّة محمد شقرون في الحي الأولمبي وروّعت زوجته وأبناءه وعبثت بمحتويات الشقّة بحثا عن وثائق وأسلحة مزعومة.

هذه الأسلحة هي تلك التي إدّعى الباحث أنّها صنعت في المصنع الذي كان يعمل فيه محمد شقرون وتتمثّل حسب الباحث في كويرتين حديديتين مربوطتين بسلسلة حديدية على غرار تلك السلاسل التي نراها في سينما الفنون القتالية. وقد أصرّ الباحث على هذا الاتهام الذي تبنّاه كلّ من حاكم التحقيق والمدّعي العام في القضية المشهورة التي جرت أطوارها في اكتوبر1978 وقضي فيها على محمد شقرون بـ5 سنوات سجنا.

ولا يجب أن ننسى في هذا المجال أنّ محمد شقرون تعرّض إلى جميع أنواع التعذيب والتنكيل جسديّا ومعنويا في شخصه وفي عائلته وذلك لحمله على الاعتراف بصنع تلك الكويرات.

أمّا أثناء المحاكمة فقد وقف هو الآخر موقفا بطوليّا على غرار بقية رفاقه النقابيين حيث رفض أن يجيب على أسئلة رئيس المحكمة الذي كان قد أقصى المحامين الأصليين وعيّن بدلهم محامين تولّى تسخيرهم وجوبا.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

بعد مغادرته للمسؤولية النقابية بقي محمد شقرون على صلة دائمة بالاتحاد وبالقيادات النقابية وطنيا وجهويا، يشارك في كلّ التظاهرات التي ينظّمها كما يحضر العديد من المحاضرات والندوات التي تنتظم هنا وهناك لبحث المسائل النقابية وغيرها من المسائل التي لها علاقة بالشغل والشغالين سواء من طرف المؤسّسات المختصّة أو من طرف الكلّيات حيث كان يحضر مناقشة الأطروحات التي يقدّمها بعض الطلبة في الشأن النقابي أو العمّالي. وفي نفس السياق، كان في المدّة الأخيرة بصدد جمع بعض الوثائق والشهادات حتّى يضمّنها في مذكّراته التي قال أكثر من مرّة أنّه بصدد إعدادها للنشر.

بوفاته يلتحق محمد شقرون بقائمة النقابيين الذين قاموا بواجبهم على أفضل وجه وذهبوا بعد أن تركوا بصمات لا ولن تمحى في السجل الزاخر للحركة النقابية التونسية المجيدة، بصمات التضحية ونظافة اليد ووضوح الرؤية والثبات على المبدأ.

إنّنا إذ نعزّي فيه عائلته فإنّنا نعزّي أنفسنا وكلّ النقابيين الصادقين ونسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة وأن يسكنه فراديس جنّاته كما ندعو الله أن يرزق زوجته وأبناءه وأحفاده وأقرباءه وأصدقاءه وكلّ من عرفوه جميل الصبر والسلوان.

“إنّا لله وإنّا إليه راجعون”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى